روائي أمريكي شاب, وكاتبان شاءت الظروف أن يكتبوا عن موضوع واحد, هو الحرب الأمريكية علي العراق. لكن الروائي بدا مختلفا في رؤيته, وهذا طبيعي.. ومناهضا لتلك الحر ب.. وهذا رائع. أما الكاتبان فقد جنحا الي تبرير ما حدث في العراق, في محاولة بايسة لتصوير الهزيمة التي لحقت بالقوات الأمريكية في العر اق علي أيدي المقاومة العراقية, علي انها مجرد انسحاب, وخروج آمن. ويبدو انهما كانا يسعيان الي تخميد جراح غطرسة القوة الأمريكية, قبل ان تتحول الي ما يمكن أن يطلق عليه عقدة العراق, علي غرار عقدة فيتنام, التي لا تزال تؤرق أمريكا. فقد اضطرت أمريكا, مرغمة وليست بطلة, إلي الخروج من فيتنام الشمالية أنذاك, علي نحو مهين. فقد تكبد الأمريكيون هزيمة ثقيلة, بينما كان انتصار الفيتناميين مبينا. وهذا تحديدا ما حاول أن يتجنبه الكاتبان الأمريكيان مايكل جوردون والجنرال المتقاعد برنارد ترينر في كتابهما الذي صدر مؤخرا تحت عنوان نهاية اللعبة. وتفصح هوية الكاتبين المهنية عن توجهاتهما. ذلك أن جوردون هو المراسل العسكري لصحيفة نيويورك تايمز, أما ترينر فكان مراسلا سابقا لمجلة تايم الامريكية. ولذلك فإن كتابهما يعبر, الي حد كبير, عن وجهة نظر القيادة العسكرية الأمريكية في مسار الحرب, وكيف افلتت أمريكا من مستنقع الهزيمة في العراق. ونقطة البداية هي تلك الفترة الشائكة التي قوضت فيها ضربات المقاومة العراقية المتلاحقة المشروع الاستراتيجي لبوش الابن وعصابة المحافظين الجدد. وهي الفترة من عام غزو العراق واحتلاله في2003 وحتي.2006 وكان جل هم واشنطن البحث عن مخرج للقوات الأمريكية من العراق. وكانت ادار ة بوش الابن واقعة طوال تلك الفترة بين سندان تصاعد المظاهرات والاحتجاجات ضد الحرب الأمريكية في العراق, ومطرقة المقاومة العراقية. خاصة بعد أن تبين الرأي العام العالمي ان ما ادعاه بوش عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل كان اكذوبة, ومحض افتراء لتبرير شن الحرب علي العراق. واكتشف القاصي والداني أن غزو العراق واحتلاله كان هدفا محوريا من أهداف عصابة المحافظين الجدد الذين التفوا حول بوش الابن عقب فوزه بالرئاسة. واختطفوا السياسية الخارجية الأمريكية, علي حد تعبير مجلة الايكونوميست البريطانية الرصينة. وكان القصد من ذلك تنفيذ مخطط القرن الامريكي الجديد الذي بلوروا أهدافه عام1997, سعيا لفرض الهيمنة الامريكية علي العالم. وانتهزت عصابة المحافظون الجدد فرصة هجمات سبتمبر علي أمريكا, وشرعوا في تنفيذ مخططهم, وشنت أمريكا الحرب علي أفغانستان. ثم غزت العراق واحتلته. وكان الهدف من احتلال العراق, كما أجمع خبراء في امريكا وأوروبا هو السيطرة علي بترول الشرق الأوسط, وصولا الي التحكم في امداداته الي آسيا وأوروبا.. في نطاق السعي لفرض الهيمنة الأمريكية علي العالم. وكان ويليام كريستول ولورنس كابلان وهما من مفكري المحافظين الجدد واضحين كل الوضوح عندما ذكرا في كتابهما الطريق يبدأ من بغداد الصادر عام2003, أن بغداد ليست سوي نقطة انطلاق. لكن المقاومة العراقية أجهضت مشروع القرن الأمريكي, وجعلت من بغداد نقطة انطلاق لردع مخطط الهيمنة الأمريكية. وكان هذا ما وضح بجلاء للمراقبين والمحللين السياسيين في خلال السنوات من2003 وحتي.2006 وهو ما دفع بوش الابن الي البحث عن مخرج من المستنقع العراقي. وكان المخرج المرجو مستحيلا بدون اقترانه بهزيمة أمريكية, وبدت أشباح الهزيمة في فيتنام تتقافز في الشوارع الامريكية, وتؤرق قادتها. وكان أن التقطت ادارة بوش فكرة تعزيز القوات الامريكية في العراق. ونفذتها عام.2007 وحققت أهدافا من ابرزها: احتواء العنف الطائفي الذي كان مستعرا بين السنة والشيعة. وهو عنف أشعلته أمريكا عندما أقصت السنة, وأيدت الشيعة. وكذا تمخضت عما سماه الكاتبان كسر ظهر تنظيم القاعدة في العراق, وتشكيل الصحوة السنية. و كان قوامها العناصر المعتدلة من السنة المعارضة للعنف والاقتتال الطائفي. ويشير الكاتبان الي أن أوباما عندما فاز بالرئاسة جني ثمار تعزيز القوات الامريكية. وتم انسحاب هذه القوات عام.2011 كان مجرد انسحاب من المأزق العراقي, وليس انتصارا بأي حال من الأحوال. ان الحرب الامريكية علي العراق كانت ولا تزال كارثة بكل المعايير. وهذا ما يؤكده الروائي الأمريكي الشاب كيفين باورز(32 سنة) في روايته الأولي الطيور الصفراء, التي نشرها أخيرا, وتدور وقائعها في غمار الحرب الأمريكية علي العراق. ويقول باورز في حوار صحفي أجرته معه صحيفة بريطانية ان تأليف رواية عن الحرب بالنسبة اليه يعني مناهضته للحرب. وكان باورز قد شارك في تلك الحرب. وكان موقعه في قلب المثلث السني.. ويشير الي انه كان حذرا طول الوقت حتي لا تصيبه رصاصة يطلقها قناص عراقي. وأشاد نفر من الكتاب والنقاد بالرواية, واعتبروها من كلاسيكيات روايات الحروب. ولعل هذا ما شجع باورز علي البدء في تأليف روايته الثانية حول فترة مابعد الحرب الاهلية الامريكية. ان الحرب الامريكية علي العراق لم تبح بعد بكل أسرارها وجرائمها المروعة. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي