إذا حملتك قدماك يوما لزيارة كوريا الجنوبية, فإن من الأماكن التي ستنصح بزيارتها نهر تشونج جي تشون وسط العاصمة سول ليس فقط لروعه الطبيعة علي ضفتيه, بل للقصة التي وراءه, والتي تقدم نموذجا للقدرة علي تحويل القبح إلي جمال. فعندما تري النهر الذي كلف حكومة سول قرابة ثلاثة مليارات دولار لن تتخيل انه كان يوما مصرفا صحيا وسط المدينة يثير اشمئزاز القاصي والداني. قبل بدايات القصة تعود إلي القرن الخامس عشر عندما قرر الملك الكوري سيجونج استخدام النهر كممر مائي لنقل مياه الصرف الخاصة بالمدينة إلي خارجها معتمدا في ذلك علي روافده التي تمده بالمياه النظيفة وتمكنه من تنظيف نفسه بنفسه. وظل النهر علي حاله البائس طيلة خمسة قرون متتالية شهد خلالها عدة محاولات رمت جميعا إلي توسيعه وزيادة عمقه ليتلاءم مع تضاعف أعداد سكان المدينة وتراكم مخلفاتهم. ومع مطلع القرن الماضي, فكر اليابانيون, الذين احتلوا كوريا خلال المدة من1910 حتي1945, في ردم مجري النهر, واستبداله بشبكة صرف أرضية إلي جانب مشاريع علي سطحه كشبكة للمواصلات لتعود بالنفع علي الجميع بدلا من تعزيز موطن للأوبئة بها, إلا أنه في كل مرة تعلن فيها سلطات الاحتلال اليابانية خططها, تتراجع سريعا عنها لنقص التمويل, وازداد الأمر سوءا مع اشتعال الحرب الكورية في الفترة ما بين1950 وحتي1953, إذ وفد الكثير من اللاجئين إلي سول وأقاموا علي ضفاف النهر في عشش أشبه بخيم الإيواء حتي أصبح اسم تشونج جي تشون مرادفا للفقر والقبح. ومع شحذ الدولة الآسيوية الوليدة قواها لتطوير نفسها بعد الحرب, كان أول ما فكرت فيه هو ردم النهر واستبداله بشبكة صرف أرضية, ووضعت خطة لتطوير المكان من أربع مراحل استمرت طيلة عشرين عاما, تاركة وراءها طريقا سريعا يعلو معظم أجزاء النهر القديم مع هدم عشش ضفاف النهر وترحيل سكانها إجباريا إلي أماكن أخري وتشييد عدة محال تجارية وأسواق في المكان ليكون رمزا لكوريا الحديثة. وظل الوضع قائما علي هذا النحو حتي عام2001 عندما أعاده لي ميونج باك الرئيس الحالي للبلاد والذي كان مرشحا حينها لمنصب عمدة سول, لدائرة الضوء, إذ طرح ميونج باك ضمن برنامجه الانتخابي فكرة إزالة الكوبري الذي يشوه شوارع المدينة ويقسمها إلي شطرين شمالي وجنوبي, وبمجرد فوزه شرع في التخطيط للمشروع. ولا شك أن المشروع في بداياته لاقي الكثير من المعارضة, إلا انه مع افتتاحه في سبتمبر2005 تبين للجميع كم المجهود الذي بذل لانجازه, فالنهر الذي يبلغ طوله نحو8 كيلو مترات يصله يوميا نحو120 ألف طن ماء تضخ إليه من روافده القديمة النابعة من الجبال ومن نهر هان إلي جانب المياه الجوفية, فضلا عن زراعة نحو2.1 مليون نبات وشجرة علي جانبيه وتزيين حوائط مدخله بجداريات من التراث الكوري وبناء كباري عرضية بسيطة تصل بين ضفتي النهر إلي جانب الأحجار التي تتيح للوافدين المرور عليها للجانب الآخر. كما ساعد النهر علي ظهور فصائل جديدة من الطيور والأسماك لم تعرفها المدينة من قبل إلي جانب خفض درجة الحرارة نحو أربع درجات عن المناطق المجاورة نظرا لقلة عوادم السيارات التي انخفضت أعدادها للنصف بعدما اضطرت الحكومة لابتكار تقنيات حديثة للتغلب علي الاختناقات المرورية. كل هذا جعل' تشونج جي تشون' من ابرز المعالم السياحية بالمدينة الذي يفد إليها السائحون من شتي بلاد العالم للتنزه علي ضفافه,إذ تشير الإحصائيات أن النهر يفد إليه شهريا نحو خمسة ملايين زائر.