هل انتصرت أمريكا في أفغانستان, وهل نجحت في تحقيق حلمها في القضاء علي خطر القاعدة وطالبان في هذه الدولة الفقيرة? أم أن الظروف المحيطة تدفعها للهروب من هناك بغض النظر عن النتائج؟ تساؤلات كثيرة مطروحة حول حقيقة الوضع الراهن ومستقبل أفغانستان في وقت تصاعدت فيه الخلافات الأمريكية الأفغانية سواء علي المستوي الرسمي أو الشعبي. فالسجال الذي اندلع في الآونة الأخيرة بين الرئيس الأفغاني حامد كرزاي وليون بانيتا وزير الدفاع الأمريكي, اتهام كرزاي لواشنطن بالازدواجية, وعدم الجدية في قتال المتشددين, وعدم تزويد بلاده بالأسلحة المطلوبة للتصدي للإرهاب, وتهديده باللجوء للصين وروسيا والهند للحصول عليها, ليس سوي انعكاسا للتوتر المتصاعد في علاقات الجانبين المضطربة, الأمر الذي يؤكد أن الانسحاب الأمريكي من هناك لم يعد مطلبا ملحا فقط.. لكنه ضرورة قصوي. إن المشادة العلنية بين كرزاي وبانيتا لم تكن سوي إحدي حلقات الصراع المشتعل بين الطرفين منذ قرابة عام أو أكثر, غير انها هذه المرة اتسمت بقدر عال من الشد والجذب. فبعد أشهر من تكرار حوادث مهاجمة الجنود الأمريكيين للمدنيين الأفغان أو إحراقهم المتعمد لنسخ من القرآن الكريم, تطورت الأزمة إلي هجمات متكررة من رجال الشرطة الأفغان ضد الجنود الأمريكيين الذين يتولون تدريبهم, وأطلق البعض علي مثل هذه الأحداث اسم' أزرق علي أخضر, في إشارة إلي ألوان الزي العسكري الأفغاني, وقد ساعدت هذه الأحداث المتتالية في توتر العلاقات الرسمية بين البلدين. ويبدو أن الجانب الأفغاني قد ضاق ذرعا بالتجاوزات الأمريكية المتكررة ضد مواطنيه. لكن هل تعني هذه التطورات بالضرورة فشل حرب واشنطن ضد تنظيم القاعدة وفلوله وحركة طالبان في أفغانستان؟.. بالطبع لا, فلايمكن أن ننكر أن القوات الأمريكية نجحت ولو بشكل جزئي في الحد من نشاط الحركات المتطرفة والمسلحة هناك, بل وطردتهم وبلا عودة حتي الآن من المدن الرئيسية في البلاد. بالطبع, ظهرت فيما بعد جماعات مسلحة أصغر حجما وأقل شأنا, أما تنظيم القاعدة فلم يتمكن من استعادة سطوته مجددا. غير إن التطورات المتلاحقة علي الصعيد الأفغاني.. بالإضافة إلي الأجواء الانتخابية علي الساحة الأمريكية, جعلت من خروج أمريكا من المستنقع الافغاني مطلبا جماعيا وأمرا لا مفر منه. لقد بدأت القوات البريطانية بالفعل في سحب قواتها من أفغانستان, ومن المقرر انسحاب ما تبقي من القوات الأمريكية في نهاية2014, إلا أن الخبراء يحذرون من أن أي انسحاب أمريكي غير منظم سيعيد أفغانستان إلي نقطة الصفر, ولذلك حددوا بعض الشروط الأساسية للحفاظ علي ما تحقق من تقدم طفيف في هذا البلد المنكوب بأبنائه قبل أعدائه. ويتصدر تلك الشروط, القيادة الفعالة وليست الانتخابات النزيهة, حيث أكدوا أن الدول في مثل هذه المراحل الانتقالية في حاجة إلي قيادة' فعالة وألا يقتصر احكام سيطرتها علي العاصمة والمدن الرئيسية فقط. ويحذر الخبراء من أن الانتخابات النزيهة في هذه المرحلة لا تحمل بالضرورة الحل الشافي لدولة تسعي للتعامل مع رواسب وتداعيات الحرب والفساد. ويعتبر الأمن أيضا من العناصر الأساسية لضمان انتقال آمن للسلطة في أفغانستان, فتدريب قوات الشرطة والجيش الأفغانيين وتأهيلهما لمواجهة الجماعات المسلحة والمتطرفين, يعد من أهم الأسلحة للتصدي للإرهاب العالمي, وسيلعب دورا مهما في حماية الفناء الخلفي للغرب, والذي يتخذ من الإرهاب ذريعة لنشر قواته في مختلف دول العالم والتدخل في شئونها. ولم يغفل الخبراء قيمة الاقتصاد القوي كعنصر فاعل في دعم الاستقرار في أي دولة في العالم, ومن ثم فإن النصيحة التي قدموها هي العمل علي دعم العلاقات الأفغانية الأمريكية في مرحلة ما بعد الانسحاب, وهو ما سيضمن من وجهة نظرهم استثمارات أمريكية وضخ لرؤوس أموال ستلعب دورا إيجابيا في تمتع أفغانستان بمستقبل بمستقبل أفضل. إن الوضع الراهن في أفغانستان محفوف بالمخاطر, فأي خطوة خاطئة من شأنها إفساح الطريق أمام الجماعات الدينية المتطرفة التي ربما تحظي بشعبية بين الطبقات الدنيا في المجتمع الأفغاني. ولكن في النهاية يظل الانسحاب هو السبيل لفض الاشتباك المتصاعد بين الجانبين الأمريكي والأفغاني, في ظل حالة' النفور' المتبادلة بينهما, والتي قد تأتي بنتائج عكسية غير محمودة العواقب, إذا استمرت عاصفة الغضب الأفغانية.