اتفاق سلام تاريخي أبرمته الحكومة الفلبينية مطلع الاسبوع الجاري مع جبهة تحرير مورو الإسلامية, كبري الجماعات الإسلامية الانفصالية في البلاد, لإقامة كيان سياسي جديد للمسلمين يطلق عليه بانجسامورو في جنوب الفلبين بحلول عام 2016 في مسع جديد من الدولة ذات الأغلبية المسيحية لإنهاء صراع استمر04 عاما و راح ضحيته أكثر من021 ألف قتيل. وعلي الرغم من أن ذلك الاتفاق المبدئي قد زاد آمال الفلبينيين في انتعاش سياسي واقتصادي للجنوب المضطرب إلا أن هناك العديد من التحديات التي تقف أمام إتمام هذا الاتفاق الذي سبقه51 عاما من مفاوضات واتفاقات باءت جميعها بالفشل. وقبل استعراض تلك التحديات يجدر بنا الإشارة إلي تاريخ هذا الصراع للوقوف علي مدي عمق الأزمة التي تشهدها الفلبين منذ عقود. فقد بدأت الحركات الإسلامية المتمركزة في جزيرة مينداناو الجنوبية ذات الأغلبية المسلمة نزاعها المسلح ضد الحكومة في أوائل السبعينيات من القرن الماضي من أجل الانفصال بالجزيرة ومنحها حكما ذاتيا, حيث يري مسلمو مينداناو أن الجزيرة موطنهم الأصلي منذ الحكم الإسلامي الذي سبق الغزو الاسباني للفلبين في القرن السادس عشر.وفي عام9891 تقرر إنشاء منطقة ذات حكم شبه ذاتي للمسلمين في جنوب البلاد ولكن ذلك لم ينجح في وقف العنف و إراقة الدماء إلي أن بدأت أول محادثات بين جبهة تحرير مورو الإسلامية والحكومة عام7991 ولكنها سرعان ما توقفت بسبب إعلان الرئيس الفلبيني الأسبق جوزيف استرادا الحرب علي الانفصاليين الإسلاميين عام8991. وفي عام8002 وقعت رئيسة الفلبين السابقة جلوريا أرويو اتفاق سلام مبدئيا مع جبهة مورو ولكنه فشل بعد أن واجه معارضة من الأغلبية المسيحية, و قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية الاتفاق مما فجر أعمال عنف دموية من جانب جبهة مورو ضد المجتمعات المسيحية أسفرت عن مقتل001 شخص و تهجير057 ألف من القرويين. والآن, خرج علينا الرئيس الحالي بنينو أكينو باتفاق جديد يقضي بإقامة منطقة جديدة للمسلمين تتمتع بحكم ذاتي في مينداناو تحت مسمي بانجسامورو التي تشير إلي المسلمين والأقلية غير المسلمة التي تعيش في الجنوب, حيث يقطن4 ملايين مسلم. وعلي رغم تأكيدات المسئولين في الحكومة حول إمكانية نجاح هذا الاتفاق وحصوله علي دعم سياسي كبير خاصة أن لجنة المفاوضات أجرت أكثر من001 جلسة حوله مع جهات إسلامية ومسيحية وحكومية, إلا أن أكبر العراقيل التي تهدد ذلك الاتفاق هو أن جبهة تحرير مورو ليست الجماعة الإسلامية المسلحة الوحيدة في الفلبين, وإنما توجد إلي جوارها جماعات متشددة أخري انشقت عنها وأعلنت تصميمها علي مواصلة القتال في المنطقة. فبعد فترة وجيزة من الإعلان عن الاتفاق أعلنت جماعة حركة بانجسامورو من اجل الحرية الإسلامية التي انشقت عن جبهة مورو العام الماضي أنها ستواصل القتال من اجل إقامة دولة إسلامية, كما أن الخطر أيضا يكمن في جماعة أبو سياف المشتبه في صلتها بتنظيم القاعدة والتي علي رغم تعرضها لهجمات قاصمة من قبل الجيش الفلبيني بدعم أمريكي إلا العشرات من مقاتليها مازالوا يتمركزون في إقليمي سولو و بازيلان الجنوبيين. ويأتي تهديد آخر من العشائر القوية التي تسيطر علي بعض الأجزاء في المنطقة وربما تخشي من فقد نفوذها السياسي, وهناك مخاوف من أن تتصاعد عمليات الانشقاق عن مورو فتتولد المزيد من الجماعات المتشددة التي تكثف من العنف في البلاد.وجدير بالذكر أن جبهة تحرير مورو نفسها انفصلت في الثمانينيات عن جماعة أكبر تسمي جبهة تحرير مورو الوطنية التي عقدت معاهدة سلام مع الحكومة عام6991. بالإضافة إلي مخاطر الجماعات الإسلامية المنشقة, فيتوقع بعض المحللين بروز خلاف مستقبلي بين الحكومة و المسلمين أصحاب الحكم الذاتي في الجنوب علي كيفية توزيع الثروات المعدنية الهائلة والتي تتركز في جزيرة مينداناو, علاوة علي تميز الجزيرة بأرض زراعية تعد من أجود الأراضي في الفلبين. وعلي رغم التوقعات السلبية بشأن مصير السلام في الفلبين فإنه قد يخيب ظن المتشائمين ويتم التصديق علي القانون الخاص بتحديد الكيان السياسي الجديد وصلاحياته السياسية والاقتصادية بعد عرضه في استفتاء عام لتبدأ صفحة جديدة من الاستقرار والتنمية في هذا البلد الآسيوي.