عرض وتقديم: ليلي حافظ : كيف يمكن ان يعيش إنسان غريبا في وطنه؟ كيف يمكنه ان يظل يواجه كل يوم احتمالات الطرد من مسكنه؟ ورؤية آخرين يستولون علي ارضه ومكان عمله ليصبح ملكا لهم؟ وكيف يمكن لانسان ان يشعر بأن وجوده في وطنه مرهونا, ليس بتصرفاته, ولكن بتقييم الدولة لتلك التصرفات؟ وان يشعر كل يوم بأنه قد يقع تحت طائلة القانون العسكري الذي يسلبه كل حقوقه المدنية؟ هؤلاء هم الفلسطينيون الذين بقوا في ارضهم بعد اعلان قيام الدولة الاسرائيلية عام1948, فاصبحوا مواطنين اسرائيليين; ولكنهم يعيشون في اسرائيل كأجانب; فأصبحوا منسيين في كل المحافل, نساهم التاريخ ولفظتهم الجغرافيا. وكان يجب ان يتذكرهم مفكر ومؤرخ اسرائيلي, هو ايلان بابيه, في كتابه الاخير الذي صدر بعنوان الفلسطينيون المنسيون. ليؤكد ايضا ان رغبة اسرائيل في التوسع والسيطرة علي كل من في الضفة الغربيةوغزة كانت الاصل لتخطيطهم لحرب عام.1967 وايلان بابيه ليس أي اسرائيلي او اي مؤرخا, فهو من بين مجموعة اطلقت علي نفسها اسم المؤرخين الجدد, الذين قرأوا تاريخ قيام الدولة الاسرائيلية في عام1948 بعد فتح الارشيف, واكتشفوا الحقيقة كلها, وكيف نشأت الدولة اليهودية علي جثث الاف الفلسطينيين واطلال مئات القري الفلسطينية; وعندما تعرض للاضطهاد كأستاذ جامعة, قرر مغادرة اسرائيل والاقامة في بريطانيا حيث يقوم بالتدريس في جامعة إكستر. يقول ايلان بابيه في كتابه ان الفلسطينيين كانوا يعتبرون من اليوم الاول منذ بدء هجرات اليهود الاوروبيين الي فلسطين علي انهم غرباء او قبائل نازحة, بالرغم من ان الفلسطينيين استقبلوا المهاجرين من اليهود وعلموهم الزراعة وقدموا لهم مساكن. ولكن ظلت نظرة الاسرائيليين للفلسطينيين كشعب غير مرغوب في وجوده جزءا اساسيا من الخطاب الصهيوني منذ عام.1948 فيقول بابيه ان كل فلسطيني يعيش في اسرائيل كمواطن اسرائيلي يعلم تماما ان وجوده مشروط ليس فقط بحسن تصرفه, ولكن بتقييم السلطة الاسرائيلية لهذا التصرف, وان كان يهدد الوجود الاسرائيلي. كما ان الدولة الاسرائيلية ظلت تعمل من أجل الحد من زيادة عدد المواطنين الفلسطينيين; فعندما اكتشف بن جوريون في الخمسينات ان بلدة الخليل تضم عددا كبيرا اكثر من اللازم من الفلسطينيين, وان عملية التطهير العرقي التي بدأت في عام1948 لم تنجح تماما, قرر اتخاذ اجراءات لحثهم علي الرحيل. فقام ببناء500 مستوطنة يهودية جديدة خلال السنوات الستين الماضية بين القري الفلسطينية بشكل يمنعهم من التواصل, ومنع القري الموجودة بالفعل من التوسع جغرافيا; ومنع بناء اية قرية فلسطينية جديدة. ثم قرر بن جوريون فرض القوانين العسكرية علي هؤلاء الفلسطينيين, والتي اطلق عليها اجراءات أمنية, بالرغم من انها تشبه الاجراءات التعسفية التي كان يمارسها النازيون ضد اليهود; مما يعني ان أي جندي مهما كان صغيرا, يملك الحق في أي لحظة ان يفرض سيطرة كاملة علي الحياة المدنية لأي فلسطيني أو مجموعة من الفلسطينيين, اذا ما شعر ان تلك المجموعة تضع الوجود الاسرائيلي في خطر. اي ان الجندي يصبح هو القاضي والجلاد والمشرع. وظل هذا القانون قائما حتي عام.1966 يقول إيلان بابيه انه تم انهاء العمل بالقانون العسكري في عام1966; وذلك لم يكن فقط لأن بن جوريون لم يعد رئيسا للوزراء, ولكن لأن اسرائيل كانت تعد لشن حرب جديدة في العام التالي, عام.1967 ولانها كانت تعلم ان هناك مجموعة أخري من الفلسطينيين علي وشك الدخول تحت سيطرتها. كتب المؤرخ الاسرائيلي يقول كيف ان اسرائيل كانت تشعر دائما بان عليها ضم الضفة الغربية وقطاع غزة اليها. لأن تاريخ اسرائيل كله منذ عام1948 يتركز علي بعدين أساسيين: البعد السكاني والبعد الجغرافي. وان كانت تحتاج الي مشاريع يهودية ناجحة في فلسطين فان عليها ان تجد المساحة. والسؤال الملح هو كم هو حجم المساحة المطلوبة لاستكمال بناء الدولة, وكم عدد الفلسطينيين داخل تلك المساحة التي يمكن لاسرائيل ان تتحمل وجودهم؟ يؤكد بابيه ان اسرائيل كانت تشعر دائما بأن المساحة الجغرافية تعني الامن بالنسبة لها, وكان من الواضح ان اسرائيل تخطط للحصول علي المزيد من الاراضي, مع المزيد من الفلسطينيين. لذلك كانت اسرائيل تبحث عن مبرر لشن حرب تحتل بمقتضاها الضفة الغربية وقطاع غزة; ويقول بابيه ان لا أحد كان يتوقع موعد وقوع الحرب, ولم يكن احد يتوقع رد فعل الرئيس جمال عبد الناصر علي المناوشات التي قاموا بها; ولكن الواضح ان احتمالات الحرب كانت مؤكدة. كما انه كان مؤكدا وجود خطة استراتيجية لدي الدولة الاسرائيلية. والدليل علي ذلك, كما يقول بابيه, هو ان اسرائيل تمكنت بسرعة من فرض سيطرتها علي الضفة الغربية وقطاع غزة. وقامت بسرعة بتحويل العمل بالقوانين العسكرية من علي فلسطيني اسرائيل, الي المجموعة الفلسطينيةالجديدة في الضفة الغربية والقطاع. واستطاع كبار الضباط والجنود بالسيطرة بنفس الوسيلة علي فلسطيني الضفة والقطاع فور احتلال تلك الاراضي, مما يؤكد ان الخطة كانت موجودة مسبقا. ان أمام اسرائيل معضلة عليها حلها: فهي تريد ان يراها العالم كالدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة, كما انها تريد ان تري نفسها كجزء من العالم الغربي في منطقة الشرق الاوسط; ولكن ا يمكن ان تعتبر ديمقراطية مادام مواطنوها العرب, والذين يمثلون ربع السكان, لا يتمتعون بنفس القوانين التي يتمتع بها مواطنوها اليهود, ومازالوا منسيين من الدولة ومن المجتمع الدولي.