هو صاحب مدرسة إعلامية كبيرة تتسم بالحرفية الشديدة والموضوعية في طرح أعقد القضايا الساخنة بهدوء مصحوب برشاقة لغوية وزخم معلوماتي قلما تجده علي أي شاشة فضائية. فهو أول من قدم برامج التوك شو في العالم العربي, قبل أن يقرر التوقف اختياريا والتفرغ لإدارة شركاته الخاصة, ثم كانت إطلالته المميزة بعد الثورة حين خرج علي جمهوره من جديد' بهدوء' رغم كل الأحداث الساخنة التي أصبحت السمة الرئيسية التي تميز الشارع المصري في تجلياته المذهلة تارة, وأخري علي جناح الفوضي والعشوائية, ويبقي أكثر ما يميزه: عقل منظم ومرتب بشدة, وردود واضحة تحمل إجابات شافية. 'الأهرام' التقت الإعلامي الكبيرعماد الدين أديب وكان هذا الحوار.. ما الأزمة التي يعيشها الإعلام حاليا؟ تتلخص في ثلاثة نقاط, الأولي: التداخل الكامل بين الخبر والموضوع إلي الحد أن الخبر يستخدم فقط للتدليل علي وجهة نظر مسبقة لدي من يكتبه أو من يقوله, وهذه كارثه. النقطة الثانية: عدم الفصل بين الشخص والموضوع, يعني إذا أتيت بتصريح ما, ووضعت عليه اسم' فلان' يصبح أعظم تصريح في التاريخ, وإذا غيرت الاسم فقط ووضعت اسم الخصم السياسي له يصبح أسوأ تصريح في التاريخ. النقطة الثالثة: تحول المجتمع الإعلامي إلي ظاهرة الناشط الإعلامي, أن تنظر إلي الكاميرا وتلقي علي الناس محاضرة من وجهة نظرك, هذه النقاط الثلاث يحولون العقل الجمعي المصري الذي يشاهد التلفزيون أكثر مما يقرأ الصحف إلي حالة من الهيستريا والفوضي الكاملة. ومتي تنتهي هذه الحالة؟ أعتقد أننا سنمر بمرحلة طويلة من هذه الفوضي والهيستريا والمراحل الثأرية وتخليص الحسابات وعدم الفصل بين الخبر والرأي وسنبقي لفترة تزداد فيها وسائل الإعلامي بشكل استقطابي. وسط حالة ثورة وانفلات علي كل المستويات هل يمكن بسهوله قبول حوار هادئ؟ كنت في البداية أشك أن هذا سيلاقي حالة محدودة, إلي أن ثبت والحمد لله أني خطأ عندما بدأنا الاستديو التحليلي الذي استخدمنا فيه نفس مبدأ' بهدوء' ولم ننحز لطرف من الأطراف والتزمنا بالقواعد العلمية للتحليل وفصلنا بين الرأي والخبر, عندما يكون زمن هيستريا وأنت تتكلم بطريقة خارج الطقس والطريقة المعتادة يعتقد البعض أنك ذاهب إلي الفشل, فتأتي أبحاث المشاهدة كلها خلال أيام الانتخابات تؤكد أن أعلي نسبة مشاهدة كانت علي برنامج الاستديو التحليلي, ولكني شعرت أن قبول البرنامج عند الناس اختلف عندما خرجت من الديكور المظلم وأصبح البرنامج علي الهواء,' هضمه' أصبح أسهل علي المشاهد.. ليست قضية' هضم', هناك فارق بين أن تطرح قضية أن تري ما لا يراه الآخرين بفترة, وبين أن تناقشهم يوميا في الحدث الآني, ولماذا العودة إلي العمل بشكل يومي؟؟ بالنسبة لي أحب شغل الهواء والعمل اليومي ويشعرني بتحد عظيم, المشكلة هي الذوق العام, كيف تتعامل مع حدث ملتهب موجود بشكل يومي وأنت لا تريد أن تدخل في التفاصيل البوليسية للحدث, من المخطيء ومن الصائب, فقبلنا عدة برامج تعالج هذا الجانب, نحن نركز في كيفية طرح السؤال المهم العميق وتفسر الحدث, وذلك بدون فلسفة حتي يصل للناس. أنا كنت متخيل ان هذا النمط سيكون له قلة تزداد مع الوقت, ولكن ربنا أكرمنا أن زادت نسبة المشاهدة بسرعة وأصبح هذا النوع مطلب عند الناس لأنهم سئموا من حالة الصراخ والهيستريا. قبل الثورة كنت تفكر في إنشاء قناة وقبلها كنت بدأت خطوات تنفيذ قناة إخبارية, الآن ووسط هذا الانفجار الإعلامي, لماذا لم تبدأ في مشروعك القديم؟ صناعة الإعلام تعاني من ثلاث أزمات مالية طاحنة, الأولي: ارتفاع كلفة مواد الإنتاج سواء كانت تلفزيونية أو طباعة أو رواتب أو غيرها, بالمقابل الانخفاض في الاقتصاد الكلي للبلاد بنسبة مذهلة, البعد الثالث له علاقة بالسيولة المالية, الناس لا تدفع إطلاقا أو لا تدفع في مواعيدها, ففي الوقت الذي تعاني فيه من انخفاض في الدخل وتأخر في وصول العائد المادي وارتفاع في الأجور هناك التزام عليك أن تبقي فقط علي قيد الحياة, أؤكد لك: لا توجد مؤسسة إعلامية في مصر حكومية أو خاصة إلا وهي تحت ضغط مالي رهيب. إذن فلماذا نشهد إنطلاق مؤسسات إعلامية جديدة؟؟ من يفتح قنوات جديدة هو رأس مال جديد يدخل السوق, وليس من اللاعبين القدامي. هل تقصد أنه لا يدرك ما سيحدث له؟ لا, ولكنه غير مكبل بالإلتزامات السابقة, هناك ما يسمي برؤوس المال الطازجة, يمكن هو يراهن أنه يستطيع أن يتحمل سنة أو اثنتين ويبدأ في التحرك, اللاعبون القدامي يحملون علي أكتافهم أثقلا كبيرة, بينما اللاعبين الجدد يراهنون علي أنه في الفترة المقبلة يستعيد الاقتصاد المصري عافيته ويحدث طلب علي المنتجات فتنتعش الدنيا. البعض يقول إنه لا توجد قناة فضائية تكسب والكل يفتح لتنفيذ أجندات خاصة بأصحابها؟ هذا غير صحيح, الأمر المؤكد أن هناك أربع قنوات في العالم العربي تحقق أرباحا طائلة, كل مجموعة الإم بي سي, كل مجموعة الإل بي سي, مجموعة الإم تي في اللبنانية, التلفزيون السعودي الحكومي, هذه أرباح محققه منذ سنوات. دعنا نتحدث عن السوق المصرية.. صناعة الإعلام تعتمد بالدرجة الأولي علي الإعلان, وهو يعتمد علي الميزانيات, والتي تعتمد علي الاقتصاد, وهو متأخر وبالتالي يقل الإنفاق, مثل الذين تعاقدوا علي مسلسلات قبل الثورة وأنتجوها بميزانيات معينة ثم باعوها بنصف الثمن بسبب عدم وجود إعلانات. هل عندنا خلل في المنظومة؟ لا, ولكن عندما يحدث أحداث كبير في الدول فليس غريبا أن نري في قمة النظام الرأس مالي مثل أمريكا أن تدخل وتعوم شركات كبري لأنها تعرضت لكوارث مالية لا ذنب لها فيها, منتجو هذه المسلسلات هم مصدر القوة الناعمة لمصر, انضربوا, لم يقف جانبهم أحد, ولكن لو الشركة مملوكة للقطاع العام تخصص لها المساعدات, هناك أزمة أن عليك أن تقاتل وحدك.. ورغم الأزمة أيضا رأينا برامج مبالغا في إنتاجها وأكبر عدد من المذيعين اللبنانيين وأجور مبالغ فيها لضيوف البرامج.. مثل التدخين, مسئولية كل مدخن, الإنفاق مسئولية كل منفق. تحدثت عن القوي الناعمة لمصر وذكرت المسلسلات والأفلام, ألا تري أن هذه القوة في تراجع؟ كانت في تراجع في2011, في2012 وبمقياس موضوعي وخاصة في موسم المسلسلات الرمضانية فاز المسلسل المصري فوزا ساحقا في العالم العربي, من ناحية الكم والانتاج, فقط هناك عمل واحد متميز غير مصري كان مختلفا وهو مسلسل سيدنا' عمر', غير ذلك كان الانتاج من ناحية الشكل والموضوع علي مستوي رفيع جدا, أحدثك من ناحية البيع والتسويق ونسب المشاهدة, فحرام أن نجلد نفسنا. ولكن القنوات المصرية لم تعد هي الأكثر مشاهدة في العالم العربي.. هذا غير صحيح, في العشرين شهرا السابقة زادت نسب المشاهدة حول كل ما هو مصري, بدليل أن الجزيرة والعربية والإم بي سي وهم أهم قنوات عربية لجأت لأن تقدم في قنواتها العربية خدمة خاصة لمصر, هناك الجزيرة مباشر والآن يتم تأسيس ام بي سي مصر, بدليل أن أهم شركة إعلان عربية وهي جاد شويري دخلت للسوق المصري وتعاقدت مع قناة الحياة وتحاول الاستحواز علي قنوات أخري, دالئما المصريون عندهم حالة جلد الذات. هم أتوا لنا حتي يكسبوا الجمهور المصري, وليس ليسوقونا للجمهور العربي.. لا.. الجمهور العربي مهتم جدا بالشأن المصري, وستتعجب أن مثلا حتي القنوات الدينية المصرية لها نسبة مشاهدة عالية في الخليج, قنوات مثل' شعبيات والتت والمولد' تشاهد بشكل غير عادي فيما بعد الواحدة ليلا في البيوت العربية, الأزمة الحقيقية هي أن كل من يعمل في الإعلام يعمل من' لحمه الحي' أو بإنتظار سيطرة المعلن أو المشتري. ولكننا شاهدنا تأثير المال الخليجي في السينما والذي أقحم مجتمعه علي الفيلم المصري!! ياسيدي هل تريد أن تأخذ فلوسه وتعمل ما تريده أنت؟؟ هات فلوسك واعمل ما تريد, من يأخذ ذهب السلطان يضرب بسيفه. هل لديك خوف علي حرية الإبداع وسط الهجمات التي تتعرض لها؟ حدث ذلك في مراحل سابقة, هذا مجتمع حي يفرز دائما العباقرة والمنورين, ويفرز أيضا من يفكرون بشكل ظلامي أو شكل محافظ ويظنون أنهم يحمون المجتمع من نفسه, هناك طريقتان, الأولي أن يتخندق كل تيار ضد الآخر فيجهز علي الآخر, أو أن نتعلم فن إدارة الحوار والتفاهم بين القوي والمصالح والأفكار المختلفة, لا يوجد حل ثالث, نحن اخترنا في هذه المرحلة أن نتربص ونخلص علي بعض, لكن في النهاية سنضطر أن نجلس ونتفق, نحن في حالة التربص والاغتيال المعنوي لبعضنا البعض, الكل يبذل قصاري جهده لتشويه وتسفيه والاغتيال المعنوي لفكرة الآخر حتي يثبت أن فكرته صح, بينما في أوروبا والدول المتقدمه كل واحد يدافع عن فكرته. ولكن في الماضي عندما كان يتعرض الفن لهجمات كانت الدولة تحميه, هل سيجد الفن نفس هذه اليد الحامية الآن؟ في رأيي أنه سيظهر أشكال مختلفة من الفن, لكن لن يجروء أحد أن يقترب من هذه المساحات, بدليل أنه لم يمر60 يوم علي الرئيس إلا واجتمع بالفنانين, موضوع حرية التعبير هو قنبلة موقوتة من سيحاول عامدا متعمدا أن يقترب منها ستنفجر في وجهه. ما هو الشكل الأمثل لإعلام الدولة؟ أنا غير مؤمن بما يسمي بإعلام الدولة, هناك ما يسمي بإعلام الشعب, وأقرب نموذج لها هو النموذج الاسرائيلي, عندهم قناة في التلفزيون مملوكة في الدولة وتشرح وجهة نظر الحزب الحاكم أيا كان هذا الحزب والباقي كله قطاع خاص, عندهم إذاعة مملوكة للدولة وإذاعة الجيش الاسرائيلي, الجرائد كلها قطاع خاص, وهناك جريدة تعبر عن الدولة وموقع علي الإنترنت, والباقي كله قطاع خاص. في مصر نحتاج للقناة الأولي والثاني, وقناتين تعليميتين لأنها خدمة مهمة للجماهير, وتقسم المحافظات لثلاث أو أربع قنوات تكون خدمية, لكن لا معني أن تتبعك قناة للمنوعات وقناة للرياضة, لماذا تمتلك الدولة قناة اسمها' لايف'؟ اعطي هذه القنوات للقطاع الخاص. وزير الاعلام الحالي صرح أنه يسعي ليكون أخر وزير إعلام في مصر, ما البديل إذن؟ تأتي بشركات استشارات متخصصة في خصخصة الإعلام و تحضر لك دراسات عن كيفية التصرف في هذه التركة, الدولة بدل ما عندها خسائر متراكمة تقدر ب15 مليار جنيه, تستغني عن مليار اضافي وتدفع تعويضات وتعمل علي قدر طاقتها. ولكن هل يمكن للدولة أن تتخلي عن ملكية سلاح قوي كالإعلام؟ في العشر سنوات الماضية صرفت الدولة15 مليار جنيه, هل زادت نسبة مشاهدة التلفزيون الحكومي؟ بينما ما صرفه القطاع الخاص كان يمكن10% من هذا الرقم, قارن نسبة المشاهدة بين القطاع الخاص وتلفزيون الدولة, الدولة تصرف فلوس من باب الإعانة الخيرية.