لم يكن سبتمبر المنصرم, شهرا عاديا بالنسبة للاناضول, يبدو أنه كان ملئ بالأحداث والذكريات التي لا يمكن أن تنسي, ففي نهايته عقد العدالة الحاكم مؤتمره العام وخلال ثلثه الثاني وتحديدا في يومه الثاني عشر حرصت وسائل الإعلام علي تذكير الشعب بإنقلاب العسكريين الثالث في عمر الجمهورية التركية قبل أثنين وثلاثين عاما. وبين الحدثين الجديد والقديم, وفي يوم الجمعة الذي وافق الحادي والعشرين أصدرت الدائرة العاشرة لمحكمة سيلفري الجنائية بإسطنبول, أحكامها الرادعة الباطشة والتي طالت325 ضابطا, لتخطيطيهم لتفكيرهم في إعداد انقلاب يطيح بحكومة رجب طيب أردوغان. فهل هي مصادفة أم ترتيب قدري في دلالة رمزية وهي أن ذات الشهر كان موعدا للثأر من هؤلاء الذين اطاحو بالديمقراطية, لكن تلك الغبطة سرعان ما أفسدها, كمال كيلتش دار أوغلو زعيم المعارضة حينما دعا اردوغان أن يسأل نفسه هل تركيا ديمقراطية بالفعل ؟! نعود إلي قضية البريلوز والتي تعني في لغة الضاد المطرقة, والتي قيل إنها استهدفت إنزال ضربة قاضية والإطاحة بحزب العدالة الإسلامي الحاكم, لكن فطنة الساهرين علي الأمن, حالت دون دمويتها وأمسكتها, قبل أن تهوي علي الحكومة ورأس زعيمها. غير أن المعارضة خرجت برمتها, تندد بما آلت إليه قصة الانقلاب التي طالما وصفتها بالمسرحية الكبري, وكان يحدوها أمل في أن ينتبه أهل العدل إلي الأدلة الواهية وتلك الدامغة الكفيلة بتبرئة ساحة من حملوا السلاح دفاعا عن وطن عتيد من تفتيت أو إنقسام, غير أن العكس هو الصحيح, لقد وقع القضاة فريسة للسلطة التشريعية والتي يديرها العدالة وليس غيره. وفي عبارات امتزج فيها الأسي بالسخرية, قال زعيم الشعب الجمهوري كان هناك قاض ومدع عام وقاعات للمحاكمة ولكن دون عدالة, أما اليميني المعنون بحزب الحركة القومية, فأبدي زعيمه دولت بهتشلي حسرته علي الخونة( في إشارة إلي الانفصاليين الأكراد) ففي الوقت الذي يصولون ويجولون في ارجاء الاناضول بحرية, يزج بالوطنيين الشرفاء إلي السجون, أما من كانوا هناك ينتظرون القرارات فطبيعي أن ينهاروا, المواطنون المتعاطفون سرعان ما حملوا الولاياتالمتحدةالأمريكية مسئولية تحطيم وتقزيم الجيش التركي من خلال رجب طيب اردوغان الذي صار أداتها, قد يكون هذا جنوح وإنما هو الغضب الذي كاد يعتصرهم وهو يرون الجنرالات لا حول لهم ولا قوة. غير أن السؤال الذي الح علي المتابع, ما الذي جعل شرائح من المواطنين لا تصدق ما هو منسوب لهؤلاء الشجعان وفقا لتوصيفاتهم؟ هل الأمر كله مؤامرة حاكها اردوغان؟, لا لشئ سوي الانتقام من هؤلاء الذين يحملون علي أكتافهم النجوم ويعلقون علي صدورهم النياشين, والذين كانوا وراء عزله, وهو المنتخب, من رئاسة بلدية إسطنبول, ثم سجنه قبل خمس سنوات بتهمة القاء قصيدة شعر, فسرت بأنها تحض علي الفتنة, في حين أن أبياتها منشورة في كتاب معروض أمام القاصي والدان, أم أن هناك حقائق لايريدون عن عمد تصديقها ؟! لا شك أن ثمة نوازع شخصية لعبت دورا في إذكاء صراع كان مطلوبا ولادته وإثارته في كل الاحوال, لوضع معادلة جديدة في الحكم تزيل وإلي الابد ما كان سائدا قبل الالفية الثالثة, وكانت الحجة جاهزة وهي التماهي مع معايير الاتحاد الأوروبي. ولم يخف العدالة خططه في هذا الصدد, إذ أكد خلوق اوزدالغا النائب عن مدينة أنقرة ورئيس اللجنة البرلمانية لشؤون البيئة أن هناك جملة اصلاحات لإبعاد الجيش عن السياسية تماما حتي تنتقل البلاد إلي مصاف الدول الديمقراطية الحقيقية غير أن الأخيرة لم تتحقق, بل أن ما كان موجودا قبل صعود العدالة في العام2003 بدأ يتأكل, وهناك كتاب يقبعون وراء الأسوار وينتظرون المحاكمة منذ أكثر من ثلاث سنوات, لتعود مسيرات الآلاف الغاضبة حاملة لافتات كتب عليها تركيا علمانية وستبقي علمانية والجيش والشعب يد واحدة وأخيرا وليس آخرا الموت لحكومة العدالة الديكتاتورية!!