إلي متي سيظل العراق بعيدا عن جواره في الاناضول العتيد؟ والإجابة وفقا لما هو حاصل علي أرض الواقع, لا تحمل أي خير أو تفاؤل, بل العكس هو الصحيح تماما, فالتشأؤم هو سيد الموقف, ولا أمل في تقارباللهم إذا حدثت تطورات نوعية في المشهدين السياسيين التركي أو العراقي. وكيف للاخيرة أن تحدث في ظل سطوة حاكمي العاصمتين, وغلبة النوازع الشخصية علي مصالح شعبيهما؟. العلاقات ستمضي في مسيرتها الآنية الصعبة, والتي زادت تعقيدا مع حكم الاعدام المشكوك في نزاهته الصادر بحق نائب رئيس الجمهورية العراقية طارق الهاشمي, فرئيس الوزراء التركي, لم يكتف بقوله لا لتسليم الهاشمي, بل ذهب واصفا إياه ب المظلوم والبرئ مؤكدا أن بلاده ستستضيفه كيفما شاء, فصداقة تركيا مع الرجل لم تبدأ الآن وانما هي ممتدة منذ عشرة اعوام. ولمزيد من صب الزيت علي النار, في إشارة ذات مغزي, وجهت دعوة ل مسعود البرازني رئيس إقليم كردستان العراق كي يتصدر صفوف المدعوين المفترض أن يأتوا من أنحاء العالم المختلفة, في إفتتاح المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية الحاكم, نهاية سبتمبر الحالي, والرسالة واضحة وهي أن أنقرة مستمرة في علاقاتها التجارية والنفطية بوجه خاص مع أربيل. ولأن قطاعات مؤثرة من الأتراك لايبدون ارتياحا للبرازني, بل تعتبره ادبيات حزبية معلنة عدوا لدودا يحلم بتفتيت بلادهم, وعلي تخومها الجنوبية الشرقية, يقيم دولته الكردية المزعومة, و اردوغان نفسه لم يسلم من إنتهازيته لكن الأخير وفي ذروة غضبه من نظيره القابع في بغداد, نسي بل تناسي غصات الماضي مفضلا الحاضر مادام سيقلق خصمه وهذا هو المهم! والهاشمي أيضا لا يلقي قبولا من قبل المعارضة وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري الذي يعتبره مدانا, وانه مطلوب من الانتربول وليس فقط من قبل أبناء وطنه, من هنا كان علي العدالة تبرير يقنع الرأي العام وما أسهل ذلك حينما يثير مخاوف مواطنيه من الخطر الشيعي المتربص بهم, فمسالة الهاشمي, وطبقا لما قالته صحيفة ميلليت أظهرت الحقيقة الخفية وهي انزلاق العراق لحرب سنية شيعية, ومن ثم علي أنقرة أخذ الحيطة استعدادا لمواجهة التشيع القادم. في ظل هذا الزخم ومع تبادل الإتهامات, أكد المسئولون العراقيون أن انقرة هي المسبب الأساسي في الصراع الطائفي الدائر ببلادهم وهو ما يفسر تصريحات المالكي القاسية وإتهام نظيره التركي صراحة بتأجيج الفتن بالعراق, معتبرا التدخل التركي في شئون بلاده يعد تكتيكا انتهازيا يستغل الصراع السياسي الداخلي أسوأ استغلال. غير أن تلك التوجهات لها تداعيات ومخاطر فقبل عشرة أيام لقي قطاع الأعمال ضربة موجعة من العراق استهدفت الشركات التركية دون غيرها, إذ جمدت السلطات العراقية رخص التشغيل الممنوحة للكيانات الاقتصادية التركية العاملة بالبلاد واعلنت وزارة التجارة ايقاف منح رخص التشغيل للشركات التركية التي يفترض إنها تنفذ مشاريع مهمة منها انشاء مستشفيات ومدارس ومجمعات سكنية اضافة الي مشاريع في مجال الطاقة من كهرباء وغاز ونفط خام. صحيح لديها مشاريع بشمال العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي, إلا أنها لا تقارن بتلك التي تدخل في نطاق سيطرة حكومة بغداد المركزية وتصل قيمتها الاستثمارية الي12.9 مليار دولار. وسياسيا أقرت الحكومة العراقية توصيات اللجنة المشكلة للتحقيق في ملابسات زيارة وزير الخارجية أحمد داود اوغلو إلي مدينة كركوك دون موافقة بغداد, وفي مقدمتها إبعاد محيي الدين أحمد بازل القنصل التركي المسئول عن مدينتي الموصل وكركوك لترتيبه للزيارة دون إبلاغ المسئولين العراقيين الأمر الذي يتنافي مع التقاليد الدبلوماسية المتعارف عليها. في مقابل ذلك, اشار دبلوماسيون أتراك إلي أنه سيتم التعامل بالمثل وبالتالي إبعاد القنصل العراقي في اسطنبول أو في غازي عنتب, والضحية هنا المصالح التجارية والاقتصادية وكم هي كثيرة.