قبل نهاية العقد الأول من القرن الحالي بدأت الهيئة المصرية العامة للكتاب في2008 إخراج سلسلة جديدة من الكتب عنوانها' أدباء القرن العشرين' يرأس تحريرها الباحث الأدبي والمترجم حسين البنهاوي. وخلال هذه السنين الأخيرة صدر عن هذه السلسلة ما لا يقل عن ثلاثين كتابا, منها كتاب عن مخطوط' رحلة الشام' لإبراهيم المازني, ينشر لأول مرة, بعد ما يزيد علي نصف قرن من رحيل كاتبه. أما باقي الكتب في هذه السلسلة فإعادة طبع لعمل أو أكثر لأدباء هذا القرن, فقد اتفق مع ورثة بعضهم علي نشر أعمالهم الكاملة, خاصة ما نفدت طبعته وأصبح من الصعب العثور عليها إلا في أسواق الكتب القديمة, وبالتعاقد علي شراء حقوق الملكية الفكرية, هذا ما يجعل تراث الأدباء في أيد أمينة, مصانا من التلف والضياع, لمدة خمسين سنة من تاريخ وفاتهم. من هذه الأعمال التي صدرت في سلسلة' أدباء القرن العشرين' مسرحية' عيلة الدوغري' لنعمان عاشور, و'سكة السلامة' و'كوبري الناموس' لسعد الدين وهبة, و'ذكريات' لفاطمة اليوسف, و'ألف ليلة وليلة' و'أحاديث جدتي' و'الشياطين تلهو' لسهير القلماوي, و'محنة الدستور' لمحمد زكي عبد القادر و'مع الأيام' لإبراهيم بيومي مدكور, وأعمال عدد من الكتاب والشعراءمن بينهم يوسف جوهر, وعبد الله شرف, وإبراهيم ناجي. وإن كان من اللازم الإشارة إلي أن من بين أدباء هذا القرن من كانوا أولي بالتقديم من هذه الأسماء, مثل طه حسين بدلا من إبراهيم بيومي مدكور, وتوفيق الحكيم وألفريد فرج بدلا من نعمان عاشور وسعد الدين وهبة, ويوسف إدريس بدلا من يوسف جوهر, وعبد الرحمن شكري أو صلاح عبد الصبور بدلا من إبراهيم ناجي وإن كان من اللازم الإشارة إلي هذه الأسماء التي تتجاوز في التعبير عن العصر من نشر لهم دون تقليل من شأن أحد فلابد أيضا من التنويه من الجهة المقابلة بمقدمات هذه الكتب التي كتب بعضها خصيصا لهذه الطبعة, والتعريف في نهاية كل كتاب بصاحبه, وبحسن الطباعة, وبحجم الحروف المريحة للعين, والخلو من صفحات تصويب الأخطاء, بما يعني أنها روجعت مراجعة جيدة, فيما عدا هنات بسيطة لا تعوق فهم النص أو تذوقه. وبغض النظر عن هذه الملاحظة المتصلة بأولويات النشر, فقد كان ينبغي أن يمهد للسلسلة ببيان للهيئة يوضح للرأي العام سبب إنشائها, وفلسفتها, وهل تتوجه إلي القارئ الخاص أم إلي القارئ العام.. وغيرها من الأسئلة التي تحدد إجاباتها ما ستكون عليه. كما كان ينبغي استطلاع آراء الخبراء حول هذه السلسلة في الندوات والدوريات الصحفية, ومناقشة خطتها في النشر, حتي لا تنفرد الهيئة وحدها بالمسئولية, وهي تحمل في الوقت ذاته عبء الطباعة, وعبء التوزيع, وكلاهما يحتاج إلي إدارة كاملة متفرغة لا يشغلها شئ آخر. ذلك أن في إنتاج كل أديب, وفي كل حركة أدبية, من حاز علي شهرة فائقة لا تتناسب مع ملكاته المتواضعة, علي حين يوجد أيضا إنتاج رفيع القيمة في مضمونه وجمالياته, يعكس النشاط الاجتماعي للمرحلة. ومع هذا لم ينل من الشهرة ما يستحقه, ربما لأن أصحابه عاشوا بعيدا عن بؤر الضوء, أو لم يزاحموا بالمناكب, فأسدل عليهم أستار التجاهل والنسيان. ولكثرة ما في هذا القرن من أدباء بالمقارنة بالقرن التاسع عشر, فإن المفاضلة في إنتاجهم تعتبر شديدة الصعوبة, لأن ما قدم فيه من أدب يفوق في تنوعه وعمق رؤيته ومستواه الفني كل ما قدم من قبل, بلا استثناء عصر, بحكم وفرة الحقائق والمعارف والوقائع التي زخر بها هذا القرن, واتساع مجالاته, ورحابة آفاقه. ولعل أبرز ملامح أو سمات هذا القرن نهوض الطبقات الشعبية, ويقظة الوعي القومي, وبروز فكرة الدولة المدنية التي خرجت بها بلادنا من الظلمة والتبعية إلي نور العلم والتحديث, ومن المحافظة والتقليد في اللغة والأساليب إلي الثورة والتجديد, وغدا فيه الحكم والسياسة يلتزمان بالقانون الوضعي, والنظام الديمقراطي الذي تحفظ فيه الحقوق للأفراد والجماعات, أو للأقلية والأغلبية, ولا تختزل فيه الدولة في شخص واحد, لا معقب فيه علي الأحكام مهما كان جورها, وتنبع فيه الثقافة من الحياة وترتبط بها, وبأصالة روحها وعقلها وأحلامها. إنه قرن المعتقدات الكبري والأحداث السياسية الجسام, والكتابة المرقمة التي تضبط النصوص بعلاماتها وتشكيلها, وقرن البرديات والآثار والأطلال والوثائق المكتشفة التي لم تندثر, وتحقيق التراث والمخطوطات النادرة. قرن البعثات والترجمة والاستشراق, وقرن الأدباء الذين تجاوزوا نطاق الطبقة المتعلمة إلي غيرهم من الذين لا يعرفون القراءة والكتابة, ودليله أسماء الأدباء التي يعرفها القاصي والداني من غير أن يقرأوا لهم كلمة واحدة. وقد يكون بعض هذا الإنتاج لأدباء هذا القرن متأثرا في الدوريات المطوية, يحتاج جمعه وترتيبه ودراسته وإصداره في الكتب إلي جهود مهنية فائقة, أكبر مما تحتاجه الكتب الراقدة علي أرفف المكتبات. وسواء كان هذا الإنتاج في الدوريات أو في المكتبة, فإن المهم في المحل الأول الميزان الدقيق الحساس الذي يوزن به هذا الإنتاج, والتحقيق العلمي الذي يصاحب نشره, ويكسب القراء الثقة فيه, والإقبال عليه. وعلينا أن ندرك أن اختيار الأعمال المتميزة المعبرة عن هذا القرن, المثقل بالأفكار والأحداث, يجب أن يكون شاهدا علي النقلة التاريخية للقرن العشرين في ظاهرها وباطنها, من البداوة إلي الحداثة, أو من الكتاتيب إلي الجامعة.. وأعتقد أن أكثر ما يخشي منه علي هذه السلسلة وغيرها مما يماثلها ليس الارتجال, وإنما عدم إدراك الخريطة الكاملة للثقافة العربية الحديثة, وللحاجات الأساسية لواقعنا المعاصر, والجهل أيضا بالتراث الإنساني الذي لا يفترق فيه شرق عن غرب, للصلات القائمة بينهما, ولا ينفصل فيه الحاضر عن الماضي والمستقبل. إن صناعة النشر صناعة هامة وجليلة, تحتاج إلي وعي كبير. وهي تثير الكثير من المشاكل التي يجب حلها, إن أردنا أن تأخذ مكانها اللائق بها من تاريخنا الثقافي, بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.2011