لم يكن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أول من ينقض على الديمقراطية التى صعد من خلالها إلى منصة الحكم ليلتصق بها إلى يوم الدين، فقد سبقه كثيرون فى المنطقة والعالم، وعلى هذا الأساس ليس أمامنا الآن سوى الحديث عن الديمقراطية الحقيقية التى يلتزم بها الفائز بقواعد اللعبة السياسية ليترك مقعده فور انتهاء مدته المقررة أو إذا رأى شعبه أنه أخفق فى حكم البلاد. وأمامنا أمثلة على انتهاكات قواعد الديمقراطية وأخرى على انقلاب الشعوب على رؤسائها. فى عام 1992، سطر الأمريكيون ملحمة فى اختيار رئيسهم عندما اختاروا الشاب بيل كلينتون وقالوا لجورج بوش الأب ( كفي) رغم دوره فى حرب الخليج الثانية واستعادة صورة الولاياتالمتحدة كقوى عالمية عظمى وحيدة وتجاوز انتكاسة حرب فيتنام. وقتها، لم يصرخ بوش ويهيج، وقبله كان ونستون تشرشل هو الآخر ضحية الديمقراطية رغم دوره الكبير فى انتصار الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية، وغيرهم كثيرون. ولكن منطقتنا لا تقرأ التاريخ وتأبى الاحتفاظ به فى ذاكرتها بل ترميه فى غياهب الجب حتى لا يستخرجه أى سيارة. وبدلا من أن يعترض مرشح المعارضة على نتائج الانتخابات كانت المصيبة التركية أن حزب الحرية والعدالة الحاكم هو الذى هاج وماج ليتهم الفائز المعارض بالتلاعب فى نتائج انتخابات بلدية اسطنبول، رغم أنه بمقدور الحزب الحاكم تزوير أى انتخابات محلية أو نيابية أو رئاسية، إذ تخضع له الهيئات الانتخابية بالكامل، بالإضافة الى وسائل اخرى عديدة تساعد على التلاعب بالنتائج. ولكن اتضح أن سكان مدينة اسطنبول اتفقوا على إعادة تأييد مرشحهم المعارض أكرم إمام أوغلو ليتوج رئيسا للبلدية بعد فوزه فى انتخابات الإعادة، وهم بذلك يطبقون ما سبق وكتبه الأستاذ فتح الله كولن مؤسس حركة الخدمة التركية الذى يعيش فى منفاه فى الولاياتالمتحدة بأن الدولة وسيلة لسعادة البشر فى الدنيا وليس إسعاد فئة أو مجموعة ترى فى نفسها فقط القدرة على حكم البلاد مدى الحياة، وأشار فى مقال مهم فبراير الماضى الى أن فشل التجربة الديمقراطية التركية لم يأت نتيجة التمسك بالقيم الإسلامية كما تدعى حكومة العدالة والتنمية بل نتيجة لخيانتها. لمزيد من مقالات محمد أمين المصرى