سماع كوكب الشرق أم كلثوم تشدو على ألحان الموسيقار رياض السنباطى بقصيدة «مصر تتحدث عن نفسها» يذكر بشخص ناظم الكلمات، شاعر النيل حافظ إبراهيم. فكلمات إبراهيم تبقى قوية معبرة رغم مرور 87 عاما على رحيله فى مثل هذا اليوم، يعتبر محمد حافظ إبراهيم، وشهرته حافظ إبراهيم، أحد عمالقة الشعر العربى فى مرحلته الحديثة. وارتباطه بالنيل بدأ منذ بداية حياته، فقد ولد على متن سفينة رأسية بإحدى مدن أسيوط عام 1872. عاش حياة قاسية حيث نشأ يتيم الأبوين. كفله خاله لفترة، قبل أن يغادره إبراهيم لتحرجه من عظمة مسئوليته وضيق ذات يدى الخال الكفيل. تمكن من الالتحاق بالمدرسة الحربية والتخرج فيها عام 1891برتبة ملازم ثان، ليسافر مع قوات الجيش فى حملته على السودان. لتنتهى هنا حياته العسكرية ويكرس نفسه تكريسا لمسيرته الأدبية. فقد وصل به المطاف رئيساً للقسم الأدبى بدار الكتب المصرية عام 1911، ثم صحفيا بجريدة الأهرام. بدأ ارتباطه بالشعر والأدب العربى أثناء فترة دراسته بالجامع الأحمدى فى مدينة طنطا. فأحب، أعمال الشاعر محمود سامى البارودي. والتقى فى مجالس الإمام محمد عبده العديد من شعراء وأدباء العصر الذهبي، فعاصر عباس محمود العقاد، وربطته علاقة وثيقة بأحمد شوقي، بالرغم من تنابزهما بالشعر الهجائي، إلا أنهما كانا مقربين. نظم شعرًا من أجمل الأشعار فى الحب والوطن، تناول حقوق المرأة والتعليم والأخلاق، كما فى نظمه قصيدة «مدرسة البنات فى بورسعيد» ذات ال 46 بيتا، والتى تضمنت بيته الشعرى الشهير: «الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعبا طيب الأعراق» قال عنه النقاد والشعراء إنه أحكم الصياغة والأسلوب. والأهم، كان فيما قيل عن أن شعره «زاداً» للباحث عن صورة الحياة الاجتماعية المصرية. فوصفه خليل مطران بالوعاء الذى يتلقى الوحى من شعور الأمة ويمزجه بإحساسه، فتكون النتيجة «القول المؤثر»، الذى يعتبر صدى لما فى نفس المواطن. أما العقاد، فقال فيه إنه «حلقة وسطي» بين من تقدموه ومن تلوه، وبين شاعر الحرية القومية والحرية الشخصية، وبين المطلعين على الآداب العربية، والمتوسعين فى قراءة الآداب الأوروبية. ومن أهم الأعمال الأدبية التى أبدعها شاعر النيل ترجمة «البؤساء» لرائعة الأديب الفرنسى الشهير فيكتور هوجو و«ليالى سطيح»، والمصنف كنقد اجتماعي. وكذلك كتابه، «فى التربية الأوّلية»، و»الموجز فى علم الاقتصاد». سيظل حافظ إبراهيم أحد عجائب زمانه، ليس فقط فى جزالة موهبته الشعرية الباقية لليوم، بل وفى قوة ذاكرته التى قاومت السنين دون وهن أو ضعف على مدى 60 عاما حتى توفى فى 21 يونيو 1932.