وسط البالونات ورقص البهلوانات والهدايا والألعاب، واحتفالات مؤسسة الرئاسة والحكومة بعيد الفطر مع أسر الشهداء تعويضا عن ذويهم وأولياء أمورهم الذين دفعوا أرواحهم ودماءهم فداء لهذا الوطن الخالد، لم يلفت نظرى التنظيم المبهج ولا حضور الفنانين والوزراء، ولكن أصابتنى رعشة وانتفضت من مقعدى حين تمسكت طفلة يتيمة لأب شهيد وهى تستلم درع التقدير مع والدتها الشابة، بيد الرئيس. والمدهش أن يستجيب سيادته لطلب الطفلة ويصعد بها مرة أخرى على المسرح لاستكمال تكريم باقى الشهداء، وإذا باليتيمة يرتفع سقف مطالبها، وتناشد الرئيس بأن يحملها على ذراعه وتحتضنه بذراعها الصغير الناعم، وسط لفيف ضخم من الحضور غير مكترثة بأية بروتوكولات وشاركها سيادته نفس الشعور، واللافت هو شعور الأمان الذى تحسسته تلك الطفلة بعد فقدان سندها وحمايتها وظهرها، ولن أخفيك سرا عزيزى القارئ فقد خفق قلبى وسالت دموعى لأننى أيضا فقدت والدى فى سن مبكرة وأعلم تماما شعور البنت التى فقدت الوتد.. فقدت الرجل الأول فى حياتها.. سلبها الزمن الإحتواء والإحتضان والحنان والتدليل والنصح الناعم والإرشاد القويم، لا أحد يمكنه الإحساس بكل تلك المشاعر الا من عاشها! نسأل المولى عز وجل أن يعوضها خيرا فى مستقبلها ويرحم شهداء هذا الوطن الجريح وأتمنى ألا ننسى هؤلاء اليتامى فى مناسبة وبدون مناسبة. وتباعا لإرهاصات العيد علينا ان نتحدث عن الأفلام، وفى الحقيقة فيلم الممر الذى قامت حوله الدنيا ولم تقعد كان صادما رغم ما به من حماس ونفحات وطنية، ولم لا وهو الصراع الأزلى مع الكيان الصهيونى الذى يؤجج مشاعرنا جميعا، إنما لم تبهرنى الا جملة قالتها راقصة درجة عاشرة للصحفى إحسان الذى قام بدوره الفنان أحمد رزق: بعد كل الثورات والحروب الشعب بيبقى عاوز هلس علشان ينسى كل القرف اللى شافه! والحقيقة الجملة دى فيها إجابة شافية لتساؤلات كثيرة تصدح بها أذهاننا فى هذه المرحلة الحرجة وفى مقدمتها لماذا يتراجع الفن وتترنح الثقافة ويندثر الطرب؟. وإحقاقا للحق فالفيلم تناول حقبة زمنية لم يتم طرحها من قبل بهذه الموضوعية وهى فترة النكسة أو هزيمة 67، لأن بعض الأفلام التى تناولت هذه المرحلة مثل الرصاصة لا تزال فى جيبى للفنان محمود ياسين كان تناولها سطحيا وساذجا لم يكن لديهم الجرأة وقتها أن يستعرضوا سخط الشعب على الإنسحاب والهزيمة كما قدمه الفنان أحمد عز، وهذا منطقى جدا!، إنما عز لم يقنعنى أنه ضابط فى الجيش المصرى وكأنه لبس ثوب الدنجوان بالمواصفات العصرية ولم يخلعه وكل أفلامه الأخيرة بنفس الشخصية ولغة الجسد ونظرات العين وهو ما يحسب عليه. والأهم أننا فى واد والشهداء عند ربهم يرزقون، رحمة الله عليهم، وربنا يتولى أسرهم ويصبر قلوبنا ويقويها على هذه الأوجاع المتلاحقة، تحية إجلال وتقدير لجنود مصر البواسل وسحقا للإرهاب ومموليه ومشجعيه. لمزيد من مقالات د.هبة عبدالعزيز