خطر الإرهاب المتصاعد فى إفريقيا لم يعد يقتصر على دول الساحل والصحراء أو ليبيا بالشمال الإفريقى ولا نيجيريا فى الغرب أو الصومال فى الشرق بل امتد إلى دول مثل موزمبيق فى الجنوب الشرقى والكونغو كينشاسا فى الوسط الغربى. أحدث تلك العمليات الإرهابية راح ضحيتها 15 شخصًا فى إقليم كابو ديلجادو شمال شرق موزمبيق بأيدى متطرفين إسلاميين سبق أن شنوا هجمات بشعة قتلوا خلالها أكثر من 200 وأحرقوا نحو 600 بيت. وفى شرق الكونغو- كينشاسا شن متمردو تحالف القوى الديمقراطية الذين يقال إن كثيرين منهم مسلمون أوغنديون هجمات عديدة ضد المدنيين راح ضحيتها المئات وكشف رؤساء مخابرات دول حوض بحيرة تشاد عن أن «داعش» استغل الاضطرابات الأمنية بالمنطقة ليقيم قاعدة له هناك. وفى نيجيريا أعلن فرع «داعش» بغرب إفريقيا فى أواخر مايو مسئوليته عن هجوم قتل فيه 20 جنديًا ونشر فيديو لإعدام 9 جنود آخرين وشن فى النيجر قرب حدودها مع مالى هجوما على قافلة عسكرية راح ضحيته 28 قتيلًا و12 جريحًا. وقبله بأيام شن متطرفون هجوما على كنيسة فى بوركينا فاسو راح ضحيته ستة أشخاص فى ثالث هجوم على كنائس خلال خمسة أسابيع فقط عقب ارتفاع قياسى فى عدد الهجمات الإرهابية من 20 عام 2016 إلى 158 العام الماضى. وفى إبريل قتلت جماعة بوكوحرام الإرهابية وأصابت 22 جنديا تشاديًا بعد أقل من شهر على قتلها 23 جنديًا.ومن المتوقع أن يستغل «داعش» وغيره من الجماعات الإرهابية الصراع الدائر على السلطة منذ 2013 بين الميليشيات الإسلامية والمسيحية فى إفريقيا الوسطى وأدى إلى مصرع الآلاف وتشريد أكثر من مليون إنسان لتوسيع نطاق نفوذها وتجنيد المزيد من الأتباع. كانت فرنسا قد أعلنت، فى فبراير الماضى ،أنها تمكنت خلال أربع سنوات من القضاء على أكثر من 600 إرهابي في منطقة الساحل ثلثهم فى العام الماضي وحده وطلبت ألمانيا من جنودها في مالي (ألف جندي) التأهب لخوض مهمة طويلة الأمد في البلد الذي يعاني انعدام الاستقرار. ويستغل المتطرفون الصراعات المحلية لتوسيع نشاطهم فى الساحل والصحراء بفضل الأسلحة التي يتلقونها من أقرانهم في ليبيا منذ سقوط نظام حكم معمر القذافي.لكن تقريرًا لمؤتمر ميونيخ الأمني السنوي فى فبراير 2019 ذكر أن تصعيدًا في الهجمات العنيفة المرتبطة بالجماعات المتشددة في منطقة الساحل يعكس القدرات المتزايدة لهذه الجماعات وأن ثلاثة أرباع المعارك التي وقعت مع قوات الأمن الحكومية خلال 2018 هى التى بادرت بها ونقل عن المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية أن عدد القتلى نتيجة النشاط المسلح للمتشددين تضاعف مرتين ليصبح 1082 بالمقارنة مع عام 2017. فمع انتشار الفقر والجهل والظلم الاجتماعي وغياب الديمقراطية وتغلغل الفساد في أغلب الدول وانعدام الأفق أمام الشباب تتحول إفريقيا إلى بيئة خصبة لنمو وانتشار التنظيمات الإرهابية. كما ذكر تقرير لمركز ستراتفور الأمريكى أن عام 2018 شهد تزايدًا ملحوظا في أعداد المقاتلين الأجانب الذين دخلوا الأراضي الإفريقية والتحقوا بجماعات متشددة تسعى جميعها إلى إقامة دويلات متطرفة مشكلين خطراً حقيقياً على القارة. فى الوقت نفسه، أشارت دراسة لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة إلى أن من أهداف نقل داعش ساحة قتاله إلى إفريقيا وإعلان زعيمه أبوبكر البغدادي جماعة إرهابية جديدة أطلق عليها ولاية وسط إفريقيا بالتوازي مع قبول مبايعة مجموعة أخرى في بوركينا فاسو ومالي هو تأسيس مجموعات تابعة جديدة في القارة السمراء لاستهداف مناطق إضافية لتعويض تراجعه الشديد فى العراقوسوريا والتمدد في أراضيها مستغلا تضاريسها الصعبة واتساع مساحتها لتوجيه ضربات انتقامية ضد قوى دولية شاركت في محاربته، خاصة فرنسا التي أسهمت في تأسيس تحالف إقليمي في غرب إفريقيا وقدمت دعمًا ملحوظًا لدول المنطقة لمواجهة التنظيمات الإرهابية فضلًا عن منافسة تنظيم القاعدة. ويوضح المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية في تقرير أن الحرب العالمية ضد الإرهاب في إفريقيا تجري على 4 جبهات رئيسية هي الصومال وحوض بحيرة تشاد والساحل ومصر وأن عدد الجماعات المتشددة قد تضاعف في إفريقيا خلال عام 2018. وذكر أن 13 دولة إفريقية واجهت هجمات إرهابية يومية وتضاعفت هجمات «داعش» غرب إفريقيا المنشقة عن بوكو حرام 3 مرات حيث شن 83 هجوماً إرهابياً وارتفعت حصيلة قتلاه بنسبة 58 %. أما القاعدة في بلاد المغرب وحلفاؤه في منطقة الساحل والصحراء فقد سجلوا أكبر نسبة زيادة في العمليات الإرهابية خلال العام الماضى، حيث تضاعفت هجماتهم من 144 خلال 2017 إلى 322 فى 2018 وعدد الضحايا من 366 إلى أكثر من 611 قتيلاً ووسعوا الرقعة الجغرافية التي ينشطون فيها لتشمل شمال ووسط مالي ومناطق من بوركينا فاسو والنيجر. لهذه الأسباب وغيرها أصابت أعمال العنف الدامي المتصاعد للميليشيات المسلحة التى تقاتل مع عناصر القاعدة و«داعش» الجهود الدولية للقضاء على الإرهاب بانتكاسة كبيرة بعد أن أخفقت الجيوش الوطنية وقوات خاصة من دول غربية وبعثة الأممالمتحدة المؤلفة من 15 ألف فرد في السيطرة على الوضع. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هناك نحو ألف من المتطرفين من شمال إفريقيا قاتلوا في سوريا وعاد الكثير منهم إلى بلادهم قد يوجهون نشاطهم إلى الحكومات الوطنية وأوروبا والولايات المتحدة في الوقت الذي لم تتمكن أي دولة في الصحراء من إحكام سيطرتها على حدودها أو على الجماعات المتطرفة داخلها.ولمواجهة هذا الخطر شكلت مجموعة دول الساحل الخمس (موريتانياوماليوالنيجروتشاد وبوركينا فاسو) عام 2015 قوة عسكرية مشتركة لمحاربة الإرهاب ولكنها لا تزال تعاني مشكلات في التمويل والتدريب. كما واصل الفرنسيون تعزيز وجودهم العسكري خاصة فى مالي وشرعوا فى بناء قاعدة عسكرية قرب حدودها مع بوركينا فاسو. وفيما يتعلق بليبيا أصبحت الجماعات المسلحة الأجنبية التي قدمت من الدول الإفريقية المجاورة تشكل خطرًا فى جنوبها وسط مخاوف من إمكانية فقدان سيطرة الحكومة الليبية على المنطقة حيث يشتكي سكانها من وجود كثيف للعصابات المسلّحة التشادية والسودانية التى استعانت بها أطراف ليبية متصارعة كمرتزقة وسلحتها للقتال معها قبل أن تتصارع تلك العصابات فيما بينها للسيطرة على مناجم الذهب وطرق التهريب ومناطق النفوذ. كما عثرت الأجهزة الأمنية الليبية فى يناير الماضى على معمل ضخم متكامل لصنع المتفجرات والأحزمة والعبوات الناسفة قرب مدينة سبها كان «داعش» يستعد لاستخدامها في عملياته الإرهابية بالجنوب مما دفع الجيش الليبى بقيادة حفتر لتطهير المنطقة قبل أن يتحول إلى العاصمة طرابلس وتطهيرها من الميليشيات.