منذ إدارة نيكسون قبل نصف قرن، تشكلت استراتيجية مفادها أنه ليس من مصلحة أمريكا قيام علاقة خاصة بين روسياوالصين، فافتراقهما نعمة وتقاربهما نقمة. وظلت الإدارات الأمريكية (جمهورية وديمقراطية)، ملتزمة بدق أسافين لإفساد علاقة البلدين بالتقرب من أحدهما على حساب الآخر أو باللعب سرا لتضخيم الخلافات وإشعال نار المنافسة. ثم جاء ترامب لينسف هذا الإجماع واضعا بصمته وهى: لا يهمنا اتفاق البلدين أو اختلافهما، فليذهبا إلى الجحيم، أمريكا فوق الجميع. وترجم ذلك بإشعال حرب تجارية مع الصين وتشديد العقوبات التى فرضها أوباما على روسيا لاحتلالها للقرم وتدخلها بأوكرانيا. إزاء ذلك، لم تجد الدولتان بدا من الارتقاء بعلاقتهما إلى آفاق غير مسبوقة تكللت بزيارة الرئيس الصينىلروسيا قبل أيام واتفاقه مع بوتين على شراكة حقيقية أساسها مواجهة المخاطر السياسية والاستراتيجية برؤية موحدة على أن يكون التعاون الاقتصادى هو القاطرة، وفى هذا السياق، جاء منح عملاق الاتصالات الصينى هواوى عدو أمريكا الأول، عقد إطلاق شبكات الجيل الخامس بروسيا ضربة معلم وقبلة حياة للشركة الصينية. ويقول الباحث الروسى ديمترى ترينن: جوهر علاقات روسياوالصين حاليا يقوم على مبدأ أنهما لن يكونا ضد بعضهما، لكن ذلك لا يمنع وجود اختلافات. ويضيف: هناك تنسيق فى مجلس الأمن واتفاق على لعب أدوار محددة، ففى قضية كوريا الشمالية، تتقدم الصين، بينما فى سوريا، تبرز قيادة روسيا. ويشعر البلدان بأن سنوات الخصام الكبير بينهما فى الستينيات والسبعينيات، عندما ادعى كل منهما أنه بلد الشيوعية الحقة والآخر تحريفي، أصبحت ماضيا فى ظل التهديد الأمريكى الراهن. فى اعتقادى، ترامب لا يستهدف الصينوروسيا تحديدا، لكنه يؤمن بعدم حاجة أمريكا لأصدقاء أو حلفاء، هى تفرض ما تراه فى مصلحتها وعلى الآخرين الانصياع، ولذلك كال الضربات للأصدقاء، كالاتحاد الأوروبى والمكسيك وفى الطريق الهند، كما للأعداء كإيران وفنزويلا. إقامة الأحلاف (كالناتو وحلف بغداد سابقا) والشراكات، كان أحد أسس السياسة الخارجية لواشنطن. الآن يدفع ترامب دول العالم لإقامة تحالفات وشراكات لمواجهة الهيمنة الأمريكية المصحوبة بالبلطجة وإذلال الخصوم. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالله عبد السلام