وطن واحد .. لغة واحدة للقرآن الكريم .. دين واحد .. طقوس لعبادات واحدة .. كل ذلك عوامل إيجابية كان يجب أن تؤدى إلى توحيد الرؤية فى القضايا الإسلامية التى تؤدى فى النهاية إلى توحيد المسلمين .. غير أنها لم تشفع لأبناء الأمة الإسلامية للاتفاق على بداية الشهور العربية التى تعد بداية لممارسة طقوس العبادة من صوم عند ثبوت هلال شهر رمضان الكريم , ثم الإفطار عند ثبوت رؤية هلال شوال , إلى جانب تحديد موعد الوقوف على جبل عرفات وهو الركن الأساسى فى أداء فريضة الحج على كل مسلم لكل من استطاع إليه سبيلا . ما جرى بعد صلاة المغرب يوم الاثنين الماضى كان قمة المأساة إذ خرجت بعثات لرؤية هلال عيد الفطر فى مختلف دول العالم لاستطلاع هلال عيد الفطر لتعود كل بعثة من مهمتها لتختار يوما مختلفا عن غيرها لبداية العيد إلا عددا من الدول أثبتت ظهور الهلال ليصبح يوم الثلاثاء الماضى بداية أول أيام العيد فى 18 دولة وهى : السعودية، والإمارات، والبحرين، والكويت، وقطر، واليمن « المناطق الشرعية «، ولبنان، والعراق المناطق السنية، وتركيا، والجزائر، والصومال، وليبيا - التى تراجعت بعد ساعات من إعلانها الأربعاء أول أيام العيد، لتعلن أنه الثلاثاء -، وجزر القمر، وجيبوتي، وفرنسا، وروسيا، والنمسا، وأمريكا . وكان لكل من مصر، وتونس، وسوريا، والأردن، وفلسطين، والسودان، وإندونيسيا، واليابان، واستراليا، وماليزيا، و مناطق سيطرة الحوثيين باليمن قرار آخر بعد أن تعذر على البعثات رؤية الهلال، وعليه أعلنت كل هذه الدول أن الأربعاء هو أول أيام عيد الفطر , لتنضم إليها سلطنة عمان مساء اليوم الثانى الثلاثاء، أما دولة مالى فقد خرجت تماما عن هذا الاصطفاف وكانت أول دولة إسلامية احتفلت بعيد الفطر ، الاثنين، بعد ثبوت رؤية هلال شوال مساء الأحد فى عدة مناطق من البلاد..! الأمر لم يقف عند هذه المأساة بل امتد إلى أن أصبحت رؤية الهلال كاشفة عن هذا التمزق الذى يسود سكان البلد الواحد فى بعض الدول بعد أن خلط البعض الخلافات السياسية مع الأمور الدينية .. إذ شهدت كل من سوريا واليمن والعراق انقساما بشأن بداية عيد الفطر لعام 1440 هجرية، وهو مظهر يعكس الأوضاع فى تلك الدول العربية . فى سوريا، أعلن القاضى الشرعى الأول بدمشق، أن أول أيام عيد الفطر، هو الأربعاء .. بينما قال المجلس الإسلامى السوري، التابع للمعارضة إن المجلس قرر أن الثلاثاء هو أول أيام العيد. وفى اليمن، قالت وزارة الأوقاف والإرشاد التابعة للحكومة المعترف بها دوليا، إن الثلاثاء هو أول أيام العيد بينما قالت لجنة الأهلة، التابعة لميليشيا الحوثى فى اليمن، إنه تعذر رؤية هلال شوال، ومن ثم فإن الثلاثاء هو المتمم لرمضان لينقسم اليمنيون على تحديد بداية العيد فى يومين مختلفين ..! وفى العراق أعلن رئيس ديوان الوقف السنى ، أن الثلاثاء هو غرة شوال، فيما قال مكتب المرجع الشيعي،السيستانى إنه سيتم الثلاثاء تحرى رؤية هلال شوال، حيث إن الاثنين هو الثامن والعشرون من رمضان ..! ربما يكون اختلاف وسائل استطلاع أهلة الشهور العربية هو السبب فى هذا التناقض الذى ساد العام الجارى إذ أن بعض الدول الإسلامية تعتمد فى رؤية الهلال على الحسابات الفلكية، فى حين يعتمد كثير منها على الرؤية بالعين المجردة أو مناظير دقيقة، كما يفضل فريق ثالث اتباع مراجع دينية، إلى جانب أن الخلافات السياسية قد اسهمت كثيرا فى تصدع العلاقات بين البلدان العربية والإسلامية، وهو ما أدى إلى أن هذه الدول قد شهدت للمرة الأولى اختلاف علماء الفلك حول أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء كبداية لعيد الفطر المبارك . واقع الأمر يؤكد أن رؤية الهلال لا تقتصر فقط على الرؤية بالعين المجردة بل تعتمد على المعنى الواسع لهذه الرؤية أى الرؤية العلمية ومن بينها الحسابات الفلكية .. وحتى إذا كان البعض يقصر ذلك على الرؤية بالعين المجردة فإن واقع الحال يؤكد أن ذلك لا يحدث على الإطلاق إذ أن بعثات الاستطلاع الأهلية تعتمد على «النظارات المكبرة» فى رؤيتها لهذه الأهلة وهى ما تندرج بالتأكيد ضمن الوسائل العلمية , فلماذا تستثنى الحسابات الفلكية من هذه الوسائل ..! بقيت نقطة واحدة وهى أن مجلس مجمع الفقه الإسلامى الدولى قد أقر فى دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407ه، الموافق 11 / 16 أكتوبر 1986 أنه : إذا ثبتت الرؤية فى بلد وجب على المسلمين الالتزام بها وأنه يجب الاعتماد على الرؤية، ويستعان بالحساب الفلكى والمراصد، مراعاة للأحاديث النبوية، والحقائق العلمية . . ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولكل الأمة الإسلامية السلامة والهداية دائما. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش