بعد تصريحات مدوية واتهامات بتدخله في الشأن الداخلي البريطاني، وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس إلى بريطانيا في زيارة دولة تستمر ثلاثة أيام، في الوقت الذي تصاعدت فيه موجة غضب شعبي وسياسي بريطانية, احتجاجا على زيارة الرئيس الأمريكي وتصريحاته حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «البريكست»، فضلا عن هجومه على بعض الشخصيات السياسية في البلاد. واستضافت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية أمس ترامب وزوجته ميلانيا على مأدبة غداء خاصة في قصر باكينجهام قبل حضورهما مأدبة عشاء في المساء، فيما نظم مئات المحتجين «مأدبة شعبية» منافسة على بعد بضع مئات من الأمتار في ميدان البرلمان احتجاجا على زيارة ترامب في وقت مأدبة الغداء نفسه بقصر باكينجهام. كما خرج عشرات الآلاف من المحتجين في مظاهرات حاشدة بلندن ضد ترامب الذي يعتبر الرئيس الأمريكي الثالث فقط الذي يُمنح شرف زيارة الدولة بعد الرئيسين الأسبقين جورج بوش وباراك أوباما. وحلق فوق سماء العاصمة من جديد بالون «الرضيع ترامب» الساخر إلى جانب منطاد يصور الرئيس الأمريكي على هيئة رجل آلي يجلس على مرحاض ذهبي. وعلى صعيد الإجراءات الأمنية لتأمين الزيارة، نشرت السلطات البريطانية 20 ألف شرطي في أنحاء لندن في أكبر عملية تأمين تشهدها المملكة المتحدة منذ سنوات وتكلفت 18 مليون جنيه إسترليني. ومن المقرر أن يلتقي ترامب اليوم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، في آخر مهمة رسمية لها قبل أن تستقيل رسمياً يوم الجمعة المقبل من منصبها لتفتح الطريق رسمياً أمام الحزب والمرشحين لخلافتها لانتخاب زعيم جديد. و بعد فترة وجيزة من هبوط طائرته في مطار ستانستيد قرب لندن، جدد ترامب هجومه اللفظي على صادق خان رئيس بلدية لندن، واصفا إياه بأنه «فاشل تماما» بعد أن انتقد خان قرار الحكومة البريطانية استضافته في زيارة دولة. وكتب ترامب على تويتر:«صادق خان، الذي قام بعمل مزعج على كل المستويات كرئيس بلدية لندن، كان بغيضا جدا تجاه رئيس الولاياتالمتحدة الزائر أهم حليف على الإطلاق لبريطانيا». وأضاف «أنه فاشل تماما ويتعين عليه التركيز على الجريمة في لندن وليس علي». وكان خان قد كتب في صحيفة «الأوبزرفر» الأسبوعية مقالاً انتقد فيه منح ترامب أعلى درجات التكريم قائلا «زيارة دولة لرئيس.. لا يتفق سلوكه المثير للجدل مع قيم المساواة والحرية والحريات الدينية التي تأسست عليها الولاياتالمتحدة أمر لا يتماشى مع القيم البريطانية».كما وصف خان ترامب ب «فاشي القرن الحادى والعشرين». ومن جانبه، رفض زعيم حزب العمال البريطاني المعارض جيريمي كوربن حضور حفل العشاء الذي ستقيمه الملكة احتفاء بترامب، معلنا إدانته رئيسا «يمزق المعاهدات الدولية ويدعم إنكار تغيير المناخ ويستخدم خطابا عنصريا». كما سيتغيب أيضا كل من صديق خان وزوجة الأمير هاري الأمريكية ميجان ماركل عن الحفل. وكان ترامب قد وصف ميجان قبل زيارته بأنها «كريهة»، إلا أنه عاد ونفى وصفه لها بذلك. على الصعيد نفسه، ستتجه الانظار اليوم إلى لقاء محتمل بين ترامب ووزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون، أحد أقوى المرشحين لخلافة ماي على رأس حزب المحافظين. وكان ترامب قد قال قبل وصوله لندن في مقابلة مع صحيفة «ذي صن» إن جونسون سيكون «زعيما ممتازا» كما يتطلع أيضاً لنيل دعم ترامب في سباق الزعامة وزير الخارجية جيريمي هانت، الذي كان في استقبال ترامب في المطار لدى وصوله أمس وكان لافتاً أن ترامب استرسل في حديث ودي طويل مع هانت خلال استقباله. ولتعزيز الدعم الأمريكي له في سباق الزعامة لخلافة ماي، قال هانت إن بلاده تهتم بما تقوله الولاياتالمتحدة عن مخاطر استخدام شبكات الجيل الخامس التي تؤسسها شركة هواوي الصينية وإنها لا ترغب في الاعتماد بشكل مفرط على دولة ثالثة في تقنيات تكنولوجية محددة. وقال هانت لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي): «نتابع بعناية كل ما تقوله الولاياتالمتحدة عن تلك المسائل... وسننصت بدقة لما يقولون». وأضاف: «لم نتخذ قرارنا النهائي لكننا أوضحنا أننا ندرس المسائل الفنية، أي كيفية ضمان عدم وجود باب خلفي يتيح لدولة ثالثة استغلال شبكات الجيل الخامس في التجسس علينا، وأيضا المسائل الاستراتيجية حتى نضمن عدم الاعتماد تقنيا بشكل مفرط على دولة ثالثة فيما يتعلق بهذه التكنولوجيا الحيوية للغاية». ويختتم ترامب زيارته بريطانيا غدا بحفل كبير في مدينة بورتسموث جنوب البلاد للاحتفال بإنزال القوات في نورمادندى في عام 1944.