أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أننا فى حاجة لقراءة نقدية واعية لكتب التراث. وقدم الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف التهنئة للرئيس عبد الفتاح السيسى والشعب المصرى كله والأمتين العربية والإسلامية والعالم أجمع بمناسبة ليلة القدر وعيد الفطر المبارك. وقال وزير الأوقاف، فى كلمته خلال الاحتفال بليلة القدر، أمس: إذا كان المتطرفون يعملون على إزهاق الأنفس بدون حق، فإن كل من يدفع عنها شر المتطرفين والإرهابيين سواء كان دفعا عسكريا أم أمنيا أم قضائيا أم فكريا فكأنما أحيا الناس جميعا، ويدخل فى ذلك أيضا كل من وفر لها الدواء والغذاء وشربة الماء النقية، ومهد الطرق وعبدها، لأن تمهيد الطرق يقلل نسب الحوادث، فيحافظ على الأنفس من الهلاك، فكل ما يؤدى إلى استمرار الحياة للنفس البشرية ويدفع عنها الهلاك داخل فى قوله تعالى : «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا». واشار وزير الأوقاف الى أن فقه بناء الدول يتسم بالسعة والمرونة، أما فقه الجماعات فنفعى سطحى مغلق، مصلحة التنظيم فيه فوق مصلحة الدولة، ومصلحة الجماعة فوق مصلحة الأمة، وقد حاولت الجماعات المتطرفة إحداث حالة من القطيعة والشقاق بين الشعوب وحكامها، فأخذت تسوق أنفسها على أنها حامية حمى الدين، وأن من كان مع النظام أو الدولة حتى لو كان النظام فى عدل سيدنا عمر رضى الله عنه فهو ضدها وضد الدين، وهذه دعوات مشبوهة تعمل على تفكيك الدول من داخلها، وتحقق أهداف أعدائها المتربصين بها، فهذه الجماعات المتطرفة ترى أن كل ما يقوى الدولة يضعف الجماعة، وكل ما يضعف الدولة يقوى الجماعة، فهى لا تقوم ولا تتغذى إلا على أنقاض الدول. وأوضح جمعة أن الإسلام قد أوجب للحاكم العادل حق الطاعة بل الإعانة والتقدير، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَي: إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبةِ المُسْلِمِ ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالى فِيهِ والجَافى عَنْهُ، وإِكْرَامَ ذِى السُّلْطَانِ المُقْسِطِ» مع ملاحظة أن النص النبوى الشريف قد عطف حامل القرآن على ذى الشيبة عطفا مباشرا، وأعاد ذكر كلمة إكرام مع ذى السلطان المقسط تأكيدا على حقه فى الإكرام، ودعوة الإمام العادل لا ترد، وهو فى مقدمة السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إِلا ظله، وبهذا تبنى الدول ولا تهدم، وهو ما بيناه تفصيلا فى كتاب «فقه الدولة وفقه الجماعة» الذى أصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أوائل هذا الشهر الفضيل. وشدد وزير الأوقاف على أننا فى حاجة لاستخدام المنهج النقدى العقلى فى إعادة قراءة المتغير من تراثنا مع الحفاظ على ثوابتنا الشرعية. وأضاف: واسمحوا لى أن أعرض أنموذجا من أحد عيون كتب التراث التى هى مناط الاحترام والتقدير كتابا وكاتبا وهو تفسير القرطبى الذى تعلمنا وما زلنا نتعلم منه، غير أننا نريد أن نبين أن كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر القرطبى فى تفسير آية الدعاء فى الجزء الثانى من الكتاب صفحة 312 طبعة دار عالم الكتب أن الإمام على رضى الله عنه قال لنوف البكالي: يا نوف، لا تكونن شاعرا ولا شرطيا ولا جابيا ولا عشارا، فإن نبى الله داود عليه السلام قام فى ساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو عبد إلا استجيب له فيها، إلا أن يكون شرطيا أو جابيا أو عشارا، ومثل هذا الكلام إذا أخذ على علاته يهدم الدول ولا يبنيها أبدا. وأوضح أنه بالبحث وجدنا أن فى سند هذا القول كلا من: سهل بن شعيب مجهول الحال، وأبى على بن الصقيل مجهول الحال، وعبد الأعلى بن عامر الكوفى ضعيف الحديث، مما يؤكد أننا فى حاجة ماسة إلى إعادة قراءة تراثنا الفكرى قراءة جديدة بروح عصرية ناقدة ثاقبة وواعية، وهذا المنهج النقدى العقلى هو ما نسير عليه فى وزارة الأوقاف بالتعاون مع الأزهر الشريف تأليفا وترجمة ونشرا وتأهيلا وتدريبا، مع الأخذ بكل وسائل التحديث العصرية، من نشر خطبة الجمعة مترجمة مقروءة ومسموعة ومرئية بست عشرة لغة، إضافة إلى لغة الإشارة، واعتماد مركز دولى للحاسب الآلى بأكاديمية الأوقاف الدولية لتدريب الأئمة والواعظات وإعداد المدربين، وتم تخرج الدفعة الأولى فيه منذ أسابيع، كما تم افتتاح معمل صوتيات اللغة الإنجليزية، مع التنوع العلمى والثقافى فى البرامج التدريبية بالأكاديمية، سعيا لإعداد إمام عصرى مستنير، والتحول من حالات التميز الفردى إلى حالة استنارة عامة بين جموع الأئمة والواعظات، تؤدى إلى نشر سماحة الأديان ودحر الفكر المتطرف، وبناء مجتمع إنسانى راق يؤمن بحق التنوع والاختلاف واحترام الآخر وفقه العيش المشترك، ويدرك إدراكا لا يداخله أى شك أو تردد أن مصالح الأوطان لا تنفك عن مقاصد الأديان، وأنه لا بد للدين من وطن يحمله ويحميه. وأكد وزير الأوقاف أننا فى مناخ ذهبى وفرصة مواتية وربما غير مسبوقة فى تاريخنا المعاصر على أقل تقدير لبيان صحيح الدين وتصحيح المفاهيم الخاطئة وصيانة مال الوقف وتعظيم استثماراته، وما علينا إلا إخلاص النية والتشمير عن ساعد الجد ، فيا باغى الخير عجل.