تدور نقاشات بشكل لايخلو من الجدل وعلامات الاستفهام حول قضية الأخلاق فى بيئات مجتمع المعلومات والاتصال الإلكترونى فى محاولة لفهم الظاهرة الأخلاقية التى لاتزال فى طور التشكل ضمن سياق افتراضى مواز بل مغاير لمنظومة القيم الأخلاقية التى سادت فى بيئات المجتمع الواقعى التقليدى التى باتت فى تحدٍ كبير وسط ضجيج المعلومات.وإذا كانت التكنولوجيا ووسائطها ووسائلها قد أتاحت إفادات عالية وواسعة تفوق الوصف فضلاً عن الحصر، وهو ما سهل مختلف مناحى الحياة للإنسان المعاصر خاصة مع تسارع تطبيقات إنترنت الأشياء وحلول الذكاء الاصطناعى، إلا أنها فى الوقت نفسه أدت إلى سلبيات وانعكاسات خطيرة فى كل الاتجاهات مخالفة للأخلاق ومنافية للقيم ومتجاوزة للآداب العامة ومنتهكة للقوانين والتشريعات المحلية والدولية كانتهاك الخصوصية وتضليل الجماهير والسطو على حقوق الملكية الفكرية واستغلال الحالات الخاصة والتنمر الإلكترونى واختلاق الأخبار المزيفة وشرعنة المستويات المتدنية لغوياً واجتماعياً وفكرياً،وتصاعد معدلات الانحراف فى تطبيقات التكنولوجيا كانتشار الجريمة الإلكترونية وغيرها من الاستخدامات غير الأخلاقية التى وصفها بعض الباحثين بالشر المجهول فى إشارة إلى أن الفاعل يحتمى بأقنعة إخفاء الهوية دون خشية من عقاب بما يشوه الوجه المفيد لعالمنا الرقمى، ومايزيد الأمر تعقيداً وجود مواقع قد تكون مدفوعة من جهات تهدف إلى تحطيم المنظومة الأخلاقية بترويج قيم الفساد والانحلال تحت مسميات عدة. ويقف إلى جانب هذه المخاطر التلاعب بالصورة أيقونة العولمة الكبرى، كما وصفها البعض، ففى الإنترنت يتم التلاعب بالحقائق بمزجها بالصور المصطنعة والحقيقية فى إطار سياق معين لإحداث تأثير ما. وهذه التجاوزات قد تؤثر فى دوائر عديدة أولها الفرد، فالمجتمعات المتشكلة عبر المجتمع الشبكى،بل قد تمتد لتشمل التأثير فى الدول. وإذا كانت المجتمعات المختلفة تفتقر المحاسبة على تطبيق المعايير الأخلاقية فى إدارة الإنترنت،وتطوير الأفكار لتحسين بيئة الأخلاقيات، فإن هذا الأمر دعا المنظمات الدولية كاليونسكو والمؤتمرات الدولية المختلفة،ومنها قمم مجتمع المعلومات العالمية، إلى التركيزعلى البعد الأخلاقى فى نشر التكنولوجيا وتبنيها لتحصين المجتمعات المختلفة أخلاقياً ووصول منافع التكنولوجيا الحديثة إلى المجتمعات الأقل حظاً فى الاستفادة من هذه التكنولوجيا،ولعل هذا يفسر تبنى بعض المؤسسات الدولية الداعمة لأخلاقيات مجتمع المعلومات تسعة مبادئ مهمة تركز فى معظمها على حق الإنسان وواجباته فى القرية المعلوماتية المهمة، وكذلك تظهر محاولات من مختلف مقدمى خدمة الإنترنت إلى جانب مسئولى ومالكى مواقع التواصل الاجتماعى لوضع معايير وأدلة للسلوك المهنى والأخلاقى. ما هو مدى قدرة الجانب الأخلاقى والمعاملاتى فى الإنسان فى الصمود وهو يستخدم آليات التواصل المتعددة وتكنولوجيا المعلومات أمام هذا الشلال الهادر بقوة الذى يكاد يجرف بالإنسان ويجرده من إنسانيته؟ والإجابة عن هذا السؤال تدفعنا بداية إلى الحديث عما يسمى بمفهوم العقلانية فى الاتصال كإحدى آليات توطيد أواصر الأخلاق فى المجتمع الشبكى من خلال الاتصال الرشيد والآمن فى محاولة للاستفادة من منجزات الشبكة والآليات التى تقدمها فى استثمار منافعها، والابتعاد عن مخاطرها، بالحفاظ على الخصوصية والاختيار العقلانى للأشخاص، وبالتالى تفرض قضية أخلاقيات المجتمع الشبكى فى علاقتها بالعقلانية على الفرد مسألة الضبط الذاتى لأن آلية النفاذ إلى المجتمع الشبكى فردية بالأساس،فزمام الأمر بيد الفرد يصرفها كيف يشاء هو،لا كيف شاءت وسائط ووسائل الاتصال والتواصل التكنولوجى. وتبرز أهمية التوعية لضبط مسألة الأخلاقيات داخل المجتمع الشبكى من خلال الاعتماد على شخصيات مثالية ومؤثرة تحذر من الانسياق وراء بث السموم عبر الفضاء الإلكترونى من خلال نشرات توعوية يقوم الإعلام بإيصالها للجمهور مع ذكر أمثلة على مدى تأثير غياب الوازع الأخلاقى عبر المجتمع الشبكى والمآلات التى قد تصل لها المجتمعات المختلفة فيما لو بقى الحبل على الغارب. وإن كانت نقطة البداية تتمثل فى التركيز على التنشئة وهو الجانب التربوى الخاص بعمل الأسرة والمدرسة والمجتمع فى إطار تفعيل الوعى بالذات وبناء المفاهيم واكتشاف المشكلات القيمية وترتيب الأولويات حتى تستحيل القيم إلى مبادئ عامة فى صميم الوجدان الشعبى. كما تظهر أهمية إصدار التشريعات والقوانين الوطنية والإقليمية والدولية التى تحاول ضبط هذا الفضاء المفتوح لضبط علاقات أفراد المجتمع وتصرفاتهم وإليها يكون الرجوع حال المخالفات والتجاوزات،بل إن هناك دولاً أسست نظماً سيبرانية دفاعية لمواجهة التعديات الأخلاقية التى تلحق بأمن المواطنين أو المجتمع،ولذلك فهى معركة طويلة،فيها التربوى بجعل الأخلاقيات فى المناهج التعليمية والأنشطة المدرسية،وفيها القانونى بسن التشريعات والقوانين،وفيها كذلك الاجتماعى بإقامة مؤسسات الرقابة مثل المجالس المهنية والاتحادات وإصدار قوانين أخلاقية تحفز على الالتزام بها خاصة فى ظل الممارسة الإعلامية. لمزيد من مقالات د. هشام عبدالملك