الصحة: زيادة عدد لجان الكشف الطبي على ذوي الاحتياجات الخاصة إلى 550 لجنة    وزير الشؤون النيابية: الحوار الوطني لم ينته إلى توصية محددة بشأن النظام الانتخابي    «الاقتصاد والعلوم السياسية» بجامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    ممثل الحزب المصري الديمقراطي يرفض تعديلات قوانين الانتخابات    63 ألف طالب بالأول والثاني الثانوي يؤدون امتحاني التاريخ والأحياء في المنيا    «الداخلية»: ختام تدريب الكوادر الأفريقية بالتعاون مع الشرطة الإيطالية في مكافحة الهجرة غير الشرعية    وزير المالية: بدأنا جني ثمار الإصلاح بمؤشرات قوية للأداء الاقتصادى    البنك الأهلي يجتمع غدا لحسم أسعار الفائدة على الشهادات والمنتجات المصرفية    عاجل- مجلس الوزراء يوضح موقفه من جدل "شهادة الحلال": تعزيز المنافسة وإتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص    «الزراعة»: الدليل الإرشادي البيطري خطوة لتطوير المنظومة الصحية بمصر    استمرار توريد القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    «المنظمات الفلسطينية» تحذر من تداعيات توسيع جيش الاحتلال نطاق عملياته في غزة    حكومة غزة: الاحتلال يفرض سيطرته على 77% من القطاع عبر التطهير العرقي والإخلاء القسري    وباء وسط الأنقاض.. الكوليرا تحاصر السودان وتسجيل 500 إصابة في يوم واحد    طاقم تحكيم أجنبي لنهائي دوري سوبر السلة بين الأهلي والاتحاد السكندري    قبل جولة من الختام.. ماذا يحتاج مانشستر سيتي للتأهل لدوري أبطال أوروبا؟    أزمة جديدة داخل الزمالك بسبب مدير تعاقدات «أهلاوي»    القضاء الإداري يحكم في إعادة مباراة الأهلي والزمالك اليوم.. وخبير لوائح يكشف مفاجأة    لاعب مانشستر السابق يجيب.. هل ينضم رونالدو للوداد المغربي؟    رسميًا.. ريال مدريد يعلن مدربه الجديد خلفًا لأنشيلوتي    ضبط 275 كيلو لحوم فاسدة قبل عيد الأضحى المبارك بدمياط    مصرع طالب إعدادي غرقًا في ترعة بقنا    إحالة مدير «الكوثر للغات» للتحقيق للتلاعب فى أوراق التصحيح    موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الأزهري الترم الثاني 2025    غرق فى الترعة.. مصرع طالب إعدادي بقنا    السعودية: وصول 960 ألف حاج واستطلاع هلال ذي الحجة الثلاثاء    بدء أعمال التصحيح وتقدير الدرجات للشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالشرقية    نادين نجيم تتعاون مع ظافر العابدين لأول مرة في دراما رمضان 2026    «المشروع X» ينفرد بصدارة إيرادات شباك التذاكر    تامر حسني والشامي يتصدران التريند ب«ملكة جمال الكون»    5 أبراج تُجيد فن الدعم النفسي والتفكير بطريقة إيجابية (هل برجك منهم؟)    خطوة بخطوة.. إزاي تختار الأضحية الصح؟| شاهد    في احتفالية تسليم جينوم الرياضيين، عاشور: وضع خريطة جينية للمصريين ودراسة الأمراض الشائعة والنادرة    بحضور 3 وزراء.. إطلاق مرحلة جديدة من اختبار الجين الرياضي Gene-Next    الصحة العالمية: أكثر من 60% من الأمراض المعدية لدى البشر تنشأ من الحيوانات    ضبط 11 قضية مواد مخدرة وتنفيذ 818 حكما قضائيا متنوعا    قبل التفاوض على التجديد .. عبد الله السعيد يطلب مستحقاته المتأخرة من الزمالك    وزير ألماني يدعو لتجنب التصعيد في النزاع الجمركي مع واشنطن    تشريعية النواب توافق على تعديلات قانون مجلس الشيوخ    جامعة أسيوط تستعد للموسم الصيفي بأنشطة رياضية متنوعة بالقرية الأولمبية (صور)    الكشف عن مبنى أثري نادر من القرن السادس الميلادي وجداريات قبطية فريدة بأسيوط    ساهم فى إعادة «روزاليوسف» إلى بريقها الذهبى فى التسعينيات وداعًا التهامى مانح الفرص.. داعم الكفاءات الشابة    «يوم بحس فيه أني محظوظة».. رسالة وفاء عامر لجمهورها بعيد ميلادها    خلال زيارته لسوهاج.. وزير الصناعة يفتتح عددا من المشروعات ضمن برنامج تنمية الصعيد    ميلاد هلال ذو الحجة وهذا موعد وقفة عرفات 2025 الثلاثاء المقبل    وزير الخارجية يتوجه لمدريد للمشاركة فى اجتماع وزارى بشأن القضية الفلسطينية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    رئيس وزراء باكستان يتوجه إلى تركيا أولى محطات جولته الآسيوية    محافظ أسيوط يتفقد مستشفى الرمد – صور    مصر تستعرض نظامها الصحي الجديد في مؤتمر صيني ضمن "الحزام والطريق"    استعدادًا لعيد الأضحى.. «زراعة البحر الأحمر» تعلن توفير خراف حية بسعر 220 جنيهًا للكيلو قائم    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    التشكيل المتوقع لمباراة مانشستر سيتي وفولهام والقنوات الناقلة    ما هو ثواب ذبح الأضحية والطريقة المثلى لتوزيعها.. دار الإفتاء توضح    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بين الشعر والرسم عوالم متشابكة..
القصيدة واللوحة وجهان لتعويذة سحرية واحدة
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 05 - 2019

لا أدرى لم تطالعنى صور مشاهد متداخلة أو خطوط متشابكة، خيالات لمساحات من الظل والنور حينما أفكر فى العلاقة بين الشعر والرسم. هل هو التضاد ما بين الإيهام/الشعر واليقين/الصورة. ما بين الرومانسية الحالمة والخيال الملموس. فالرسم مادى ملموس بينما الشعر روحانى، يمكنه أن ينجو كشكل شفاهى من قيود المادة.
مثل مدارس الرسم هناك أيضاً ما بين تيارات أخرى حديثة: الشعر الكلاسيكى، والشعر الحر وقصيدة النثر. ولكل تيار شعرى مدرسة تشكيلية تناظره. نحن نعرف العلاقة بين المدرسة الانطباعية فى الفن التشكيلى التى حررت التصوير من أسر الموضوع وقصيدة النثر التى حررت الشعر من الأوزان والقوافى.
هناك إذن ما بين قصيدة النثر والرسم رغبات مشتركة: التلقائية والتجريد والتخلى عن التنميق. الزهد فى اللون والتصوف.. كلها مفردات تتبادر إلى الذهن حينما نتأمل الحميمية ما بين الفنان وقلم الرصاص والأحبار. ما بين الشاعر وقلم الرصاص الذى يخط به بتلقائية بيتا من الشعر واتاه فجأة وهو يغنى أو يصلى أو يتأهب لممارسة الحب أو يصحو من النوم قلقا لكى يخط بضعة سطور من وحى تفكيره الدائم وشاعريته المتدفقة. هناك حس وهيام بالحرية والتحرر من قيود اللون بعيداً عن التعقيدات العنكبوتية للون والتجهيز والاعتناء بسطح الكانفاس، وتحرر مواز لقصيدة النثر من قيود الوزن والقافية.
أتساءلُ..هل هناك ثمة تشابه ما بين قراءة اللوحة وقراءة القصيدة؟ وإذا كان التشابه مطروحاً، فلماذا تكون أحيانا قراءة القصيدة أيسر من قراءة اللوحة؟ أو ربما كان العكس صحيحاً فى بعض الحالات؟ هل يختفى الصوت/الإيقاع حينما نقرأ اللوحة؟ أم نتجاهله نحن بشكل عمدي؟
هناك أيضاً فلسفة خاصة بالقلم الرصاص. شيء ما يتعلق بدرجات خشونته وليونته: ربما تكون متعة الإحساس بالطفولة، ارتكاب الخطأ ومحوه. أليس هذا إنسانياً وممتعاً بدرجة هائلة؟ أقصد، تلك المتعة المتبادلة ما بين الشعر والرسم.
للأحبار أيضاً قداستها-كوسيلة أولى لحفظ النصوص القرآنية بدأت مابين عامى 568 و 645 ميلاديا- كما أن للرسم بالفحم حسا آخر، يتسق مع مفهوم اللعب والمشاغبة، ويختلط بمفهوم العرق الإنساني: الفحم-المناجم-العمال-المخاطرة-الموت.
هل نعى ما نمارسه من سحر؟
أتساءل.. هل هناك تشابه بين آليات الرسم والشعر؟هل بإمكان الرسم أن يكون ثورياً متمرداً كالشعر؟ هل هناك تواصل حقيقى بين الفنان التشكيلى وبين عالم الشعر؟ وكيف نفسر حالة الانفصال ما بين الفنون التى من السهل رصدها فى المشهد الثقافى الآن؟
مازلت أتساءل عن المشترك بين العالمين ودوافعى الشخصية لإعادة جسور مفتقدة. ربما ما يميز حال واقعنا التشكيلى منذ سنوات طويلة هو ذلك الانفصال الواضح ما بين التشكيليين والكتاب سواء من يبدعون شعرا أو نثرا، ما بين السينمائيين والموسيقيين، ما بين الراقصين وبين كل ذلك. يبدو ذلك واضحاً فى عدم الاندماج والتواصل. أحاول هنا أن أقدم سرداً موجزاً من الناحية التاريخية؛ حينما كان الترابط ما بين الشعر والرسم أمراً طبيعياً وتلقائياً، كذلك إثارة بعض التساؤلات. والإشارة إلى مناطق الشعرية فى أعمال فنانين تشكيليين معاصرين.
الصورة الشعرية
إن أقدم عبارة قيلت بحق التداخل بين الشعر والرسم هى ماتردد على لسان الشاعر الرومانى هوراس فى كتابه (فن الشعر) إذ قال..إن الشعر صورة ناطقة والرسم شعر صامت. كما أن هناك نظرية أرسطو فى المحاكاة التى وضعها فى كتابه الشهير(فن الشعر)،حيث يرى أن الشعر والرسم ينطلقان فى تشابههما من محاكاة الواقع ويفترقان فى أن الأول يعتمد على الحكاية، والثانى على التخطيط.
كما تستعرض كلود عبيد قصيدة الصورة فى الشعر القديم والحديث مبرزة رؤى الشعراء المعاصرين بشأن فاعلية الصورة الشعرية فى تجاربهم، إذ أن هناك دوافع حقيقية فى إعلاء الصورة الدور الأسمى فى القصيدة الحديثة.
تتتعقب عبيد تأثر اثنين من الفنانين الكبار فى العالم بالشعر، وهما فان جوخ الذى سمى ب (شاعر اللون)، لأنه كان مسحوراً بالتنوع اللونى الشاعرى للطبيعة، والثانى مارك شاجال،فقد كان متفرداً فى الإفادة من الصور الشعرية فى رسم اللوحة،بحيث حار النقاد فى تصنيف أعماله.
هناك الكثير من اللوحات عبر تاريخ الفن التشكيلى ألهمت شعراء، لوحة المزارع لبيتر بروجيل 1525-1569 وهو من أعظم مصورى الطبيعة وأهم الساخرين من مفارقات الحياة البشرية، ألهمت لوحته عدداً كبيراً من الشعراء المعاصرين منهم ألبرت فيرفى 1865-1937 و الشاعر الانجليزى ميخائيل هامبورجر المولود عام 1924، وغيرهم.
كذلك كانت الرابطة قوية بين الشعر والتصوير فى فنون الشرق الأقصى، فظهرت فى الفن اليابانى، قصائد الهايكو، التى حملت علاقة حميمة بين مدلولاتها وبين فنى الرسم والتصوير. كما عرف فى الصين الأدب التصويرى Literary Painting الذى بدأ مع وانج واى 618-906 م، حيث كان أول من وحد ما بين وظائف الشعر والتصوير.
هناك أيضا قصيدة اللقطة التى عرفها الشعر فى ثمانينيات القرن الماضى واستندت على مفهوم الصورة وشكلت إحدى نقاط الالتماس بين الشعر والتشكيل بتجسيدها مفهوم الرؤية البصرية فى القصيدة.
تحكى الشاعرة جريس نيكولاس عن تجربة كتابة قصائد لها استلهاما للوحات تشكيلية: يمكن للتأثير المرئى للوحة أن يكون فورياً، فلدينا كل شيء أمام أعيننا: الصور، اللون، الشخصيات، وكلها أشكال احتفالية ملهمة للعين. فى لمحة، يمكننا أن نرى التوتر فى لوحة الراقصة الصغيرة لديجا، وبالطاقة المؤثرة لضربات فرشاة فان جوخ، وبالمشاعر المتصارعة المرسومة على وجوه شخصياته. أما القصيدة، بالرغم من ذلك، فهى تؤثر بشكل نصف واع، تتكشف من خلال الحواس كلما اندمجت فى قراءتها. ليس قبل نهاية القصيدة فى بعض الأحيان بعد الانتهاء منها يمكننا أن نشعر بصدى الكلمات أو تهبط معانيها على رءوسنا، وعلى الرغم من أن موسيقى القصيدة تكون آسرة مسيطرة، فإن قوة صناعة الصورة فى الشعر، الصور المتخلقة من الكلمات هى التى تبقى فى الذاكرة وتأسر الخيال، وهذا ما يمثل لى أقصى درجات الدهشة والفرحة.
متعة مضاعفة
بالإضافة لذلك، هناك العديد من الشخصيات الأيقونية فى تاريخ الفن حظيت بمتعة ممارسة الشعر والرسم معا. أو جمعت ما بين العالمين. لم يكن ذلك غريباً، أو شاذاً، أو غير مستحب، كما قد يعتقد البعض الآن.
يمكننا أن نطالع أسماء عدة، مثل ويليام بليك الذى كتب قصائد مدهشة حينما كان فى الثانية عشرة من عمره وظهرت موهبته النادرة فى الرسم لدرجة أنه التحق بورشة حفار حينما بلغ الرابعة عشرة من عمره. تميزت أعمال بليك ( كتاباته ولوحاته) بقيمة غامضة. إنها تدهشنا بتفردها وبعدم اكتراثها بالقوانين العامة. هناك شيء ما منحرف، أصم ينتهك حدود الآخر، هو ما رفع تلك القصائد وتلك الأشكال الملونة العنيفة إلى مستوى رفيع.

لم يكن بليك مجنونا: لقد كان ببساطة يرى أشياء وشخصيات من تاريخ سابق أو عوالم متخيلة.. مخلوقات العقل الإنسانى تلك التى تخيل وجودها.
لقد آمن بشكل جذرى بصدق الرؤى التى يراها، لقد تحدث مع مايكل أنجلو وتناول الطعام مع سميراميس.. هذ الرجل كان معروفاً بأنه رسام الأشباح... كان بإمكانه أن يرسم برغوثاً ظهر له شبحه على نحو مفاجيء؛ توجد اللوحة التى أسماها شبح البرغوث فى جاليرى تيت.
التشكيل المصرى المعاصر والشعرية
فى حركة الرسم المصرى المعاصر هناك العديد من الأعمال التى يمكن أن تثير صوراً شعرية وتشكل منبعا مهما لإلهام الشعراء، منها اسكتشات الفنان الراحل سمير رافع التى أصبحت منجزاً مهماً بعد وفاته. اتسمت اسكتشات رافع التى عرض جانبا منها فى جاليرى بيكاسو عام 2016 بالكثير من الغموض-الذى أحاط بالفنان حتى وفاته وحيداً فى شقته الباريسية. بدت الاسكتشات المعروضة بالقلم الرصاص أو الأقلام الجافة الملونة كمحاكاة ثمينة وصادقة لروح الفنان. بعض الاسكتشات تجسد نساء عاريات فى أوضاع غير مألوفة. شخصيات الكلب والذئب من الرموز المتكررة فى أعماله. أسنان حادة، عيون مستديرة، ونظرات متحدية. هناك محاكاة واندماج شكلى ومزاجى بين المرأة والذئب. تعود المجموعة إلى عام 1982 وتكشف فى لقطات متتابعة علاقة ما بين امرأة عارية وذئب بطرق مغايرة. يبدو الذئب فى أحد الرسوم عاطفياً، متفهماً، تلقائياً، مرحاً أو مسانداً وتتغير حالات المرأة تبعاً له، بلا توتر تعانقه، كأنه حبيبها، تداعبه كحيوان أليف، أو ينتابها الشغف فتجلس على الأرض ممسكة بالقلم لترسم اسكتشاً سريعا لذئب.
هناك أيضاً أعمال استثنائية للفنان الراحل محسن شعلان: لوحة رسم بالحبر على الورق أنجزها عام 2010 وهو فى محبسه تمثل رجلا يرتدى ملابس سوداء ويجلس على الأرض منتحبا بينما تحيط به بعض الشخصيات النسائية والأطفال. هناك غموض ما فى اللوحة. شعور جارف بالتعاطف. لون ملابس الرجل السوداء بأسلوب التهشير المتداخل -كالفوضى التى تعم حياتنا- بالطريقة ذاتها قام بتسويد الفراغ القادم من الردهة المقابلة. ترك نقاطاً بيضاء قليلة وسط مساحة التهشير السوداء غير المنتظم، كعلامة على اليأس وانعدام الأمل.
هناك أيضا بعض أعمال للفنان حسام صقر فى معرضه الأخير «وجه لكل مواطن» الذى أقيم فى جاليرى مصر عام 2017 بالإضافة إلى أعمال أخرى تالية. تحمل وجوهه، التى أنجز بعضها بالأحبارمع استخدام طفيف للألوان المائية، الكثير من الشجن والذهول بأسلوب تعبيرى يحمل سمة التجريد فى الملامح التى تبدو متشابهة بالرغم من أن كل منها يروى قصة مغايرة. تحمل شخوصه ملامح إفريقية وآسيوية وتأتى من نقطة بعيدة فى الذاكرة. يشكل الخط عنصرا أساسيا فى لوحات صقر وبعض رسومه التى يغلب عليها الخط. يهتم صقر بقضية الهوية. ذلك الامتزاج العرقى غير المعترف به. وجوه متداخلة. خطوط العمر والجنس واللون. كأننا-ونحن نطالع وجوهه- بصدد اللجوء لقبيلة إنسانية واحدة. تداخل يحيطه الكثير من الشجن.
فى نظرة ثانية: لا يرسم صقر الوجوه ولكنه يرسم مشاعرها، طموحها وخلفياتها الثقافية. تمتزج وجوهه عادة بقرون حيوانات وحشية، أو صور لسحالى برية، أو لأيقونات قبطية.
كما تبدو لوحات الرائد التشكيلى سمير فؤاد التى عادة ما تصور حركة الزمن الأقرب لتقنية الشعر. أمام لوحاته القليلة بالقلم الرصاص أو الفحم لابد أن يصاب المرء ببعض الدهشة بعد أن اختفى اللون الصارخ (الذى يعدُ عنصرا أساسيا فى أعمال فؤاد). أبحث عن اللون. أو عن مصدر السحر فى اللوحة بالرغم من القتامة التى تقترحها.
تجسد إحدى تلك اللوحات التى أنجزها 2018 وجه امرأة ترنو للبعيد. الوجه لامرأة بسيطة تغطى وجهها وجسدها برداء أسود. محاصرة ما بين نافذة مغلقة كخلفية وحاجز أمامى مصمت يحجب جزءاً من جسدها العلوى. وجهاً خالياً من الحزن والتعب وممتلئاً بالترقب. المرأة لا تبدو مرهقة أو مشوهة بفعل مرور الزمن كطبيعة معظم الشخصيات النسائية لدى فؤاد.
إنها عودة لبداية الفنان كرسام مستخدماً وسيط الحبر الشينى، تلك المرحلة التى استغرقت زمناً من عمره الفنى.
المتابع لتاريخ فؤاد يدرك ميزة الحركة التى تتجلى كملمح أساسى فى لوحاته والتى تجعل من أعماله مكوناً فريدا فى تاريخ التصوير المصرى المعاصر. الحركة تفصح عن عوامل الزمن/ الإيقاع الداخلي/ الموسيقى التى تعد جوهر الشعر.
لم يتخل فؤاد عن تقنية الحركة فى هذا العمل أيضا. لكن الرائى يحتاج وقتا لتأمل تقنية الاهتزاز. هناك إزاحة جانبية تكون حسا بالحركة. تتبدى الإزاحة فى إمكانية رؤية التغير الحادث فى مساحات الضوء والظل. مساحات من السواد المتدرج مفروشة على اللوحة. هنا تجريب للاهتزاز والحركة باستخدام اليد والممحاة والفحم. ينشغل الرائى بالإمساك باللحظة. تتبع الحركة بين حدود اللوحة. ويشارك المرأة فى ترقبها الشاعرى لما هو قادم من الأيام أو الأحداث برغم الحدود الضيقة للمساحة والنور.
إحدى لوحات الفنان التشكيلى عمر الفيومى التى استخدم فيها أحبارا على ورق تعد استمرارا لتيمة معرضه السابق «الساحر» الذى أقيم فى جاليرى العاصمة 2017. فى هذه اللوحة عزف جديد على تيمة الساحر من خلال مجموعة كبيرة من السحرة الذين يرتدون زياً رسمياً أسود اللون. فى المنتصف يقف كبيرهم مرتديا زياً رمادياً يميل إلى الأبيض. رجال بقرون سوداء وأخرى رمادية. كتلة سوداء كبيرة فى مقابل عنصر واحد رمادى. بينما الوجوه بيضاء ناصعة.
الصراع ما بين قوى الخير والشر لا يأتى هنا بشكله المعتاد. فهذا الذى يرتدى الرمادى هو من يتزعم فى الحقيقة- كتلة الشر. إنه بياض زائف. كالحقيقة. تشاركهم السماء هذا الزيف. وهى شاهدة عليه- بتكويناتها المختلطة ما بين السائد/ الأسود والمتضائل/الأبيض. التحام كونى. ورمز مؤكد لغلبة الشر فى مجتمع مادى بامتياز.
تقترب اللوحة من مفهوم الشعر بما تحمله من غموض وتساؤل ورمز. تتفاعل شخوص الفيومى التى تحمل الكثير من الدراما بشكل فورى مع عين المشاهد.
مرة أخرى. هل نعى ما نمارسه من سحر؟
كما تعد لوحتا عماد عبدالوهاب تمثيلا فريدا للشاعرية والرمز والغموض. حيث تحمل منذ البداية لوحتاه اللتان اختار لهما عنوان «مخرج» وتمثلان امرأتين عاريتين ممددتين فى فضاء اللوحة العارى. تغطى رأسيهما سجادة ربما تمثل تراثاً تقليدياً يحجب عينيهما عن الُمشاهد/العالم الخارجى. هما متصلتان ببعضهما بعضا. غير متصلتين بالعالم. لا تكترثان به. برغم العرى، لا تستدعى اللوحتان مشهداً إيروتيكياً. يبدو ثدييا إحداهما مكشوفين تماما. متنافرين. كأنما فى حالة من الحزن، الاستياء أوالتوحد.
فى اللوحة الثانية تفقد السجادة وظيفتها كأداة أو غطاء مشترك بين جسدى المرأتين. تتموضع السجادة فى المنتصف ما بين جسديهما. ينكمش جسد إحداهما، كأنها تقاوم أو ترد هجوما يأتيها من آخر غير مرئى. بينما تظل الأخرى منكفئة على وجهها. يرى عبدالوهاب السجادة كأداة للحماية والاستظلال ومدخلاً لتلك البوابة المتوارية من المتغيرات الحياتية التى يفرضها علينا الواقع والظواهر المجتمعية.
تبدو اللوحتان شاعريتين بامتياز، تستدعيان تأويلات مختلفة، تحفلان بالحركة والرمز، وتحتفلان بجسد المرأة، بالرغم من كونه احتفالاً صامتاً.
ويتجلى فى عملين من أعمال الفنان ممدوح القصيفي- باستخدام الأحبار المائية على توال-عالم خاص للغاية. اللوحتان مستوحتان من ديوان «مدن بلا قلب» للشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى. هناك تزاوج أليف ما بين المدينة بحوائطها وشرفاتها وبين شخصياته السريالية التى يختبئ المرح فيها برغم وجومها. فى إحدى اللوحتين هناك ألعاب خفية ما بين مفردات المدينة الجامدة وتلك النابضة بالحياة. اختراق الحياة/ الذراع الممدودة عبر ثقب فى الباب لتلتقط شيئاً مادياً من طاولة مجاورة جماد/حياة/جماد. فى اللوحة الأخرى يبدو الكائن البشرى أكثر ضخامة. ككتلة خرسانية تمثل جزءاً كبيراً من تكوين اللوحة. شرفات صغيرة على جسده، عينان متآكلتان وفم يبتسم برغم الوحدة والتوحد مع الكون الخرسانى. يعادل الكائن الآدمى/ المادى شخصية إنسانية متفردة فى خطوط بسيطة لكائن غير محدد الهوية يجلس منعزلا ويعزف على العود. تبدو اللوحة مقسمة بخطوط وهمية إلى أربعة أقسام حيث كل قسم يحاور الآخر فى تضاد وتجاذب أليف ما بين المادية والروح المتآكلة فى صمت الجدران. هناك خروج عن المألوف فيما يتعلق بتكوين اللوحة والشخصيات والخط المستخدم ولكنه ليس تجريبا بالمعنى المعروف.
كما تفصح الفنانة التشكيلية الشابة سعاد عبدالرسول عن مشاعرها بقوة فى أعمالها التى تشكل صرخة قوية منطلقة من أغوار ذاتها. الباطنى والمخفى. المضحك والمربك. الحياة بكل مفرداتها: الأشياء والحيوانات. الأرض والصراخ. عالم رحب مميز بمفرداته الخاصة. تتعرف عليه من الوهلة الأولى. ثم ترتد خطوة للخلف تمهيدا للتأمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.