أنا فتاة فى الخامسة والعشرين من عمري, تخرجت فى إحدى الكليات العملية، وتؤرقنى مشكلة لو لم يتم حلها ستتحول حياتى إلى كابوس لن أفيق منه، وهى خجلى الزائد على الحد الذى لم أستطع التخلص منه, بل وتزداد حدته كلما تقدم بى العمر فقد ربانى والداى على أن كل ما يخص الجنس الآخر عيب وحرام من الصداقة واللعب أو حتى الاستماع لهم والحديث معهم فكله ممنوع, وهكذا أصبح الذكور بالنسبة لى عالما آخر, وصارت كل صداقاتى محصورة فى الإناث فقط، وسارت حياتى على هذا النحو، ولم أفكر يوما ولو فى مجرد إلقاء السلام على أى شاب، ومضيت فى مشوارى التعليمى دون أن أصادق زميلا أو أتحدث معه, وإذا حاول أحدهم أن يتحدث معى احمر وجهى وتلعثمت فى الكلام وصددته بلطف وانصرفت سريعا من أمامه ودقات قلبى تسابق خطواتي, وفى فترة دراستى الجامعية حاول الكثيرون من الزملاء التقرب منى ولاحظوا جميعا احمرار وجهى بمجرد أن ينظر أحدهم لى لكنهم يفاجأون بابتعادى عنهم سريعا، وجاءتنى زميلاتى بأكثر من عرض خطبة من شباب توسموا فىّ خيرا, وقالوا جميعا إنهم لا يريدون سوى موعد لزيارة والدى والتحدث معه فى الخطبة وأنهم جادون فى الزواج لكنى لم أعر هذا الأمر اهتماما ولم أتوقف عنده كثيرا، وركزت كل اهتمامى فى المذاكرة، ولاحظت أن أحدهم كان دائم النظر إلىّ ويبدو لى من مظهره العام أنه شاب ملتزم وتمنيت داخليا لو تحدثت معه فربما يكون هو المناسب لى لكن حاجزا ما منعنى من مجرد الكلام وأشعر كأن سورا ضخما يحول بيننا. وحتى هذا الحد لم أكن أعتبر أننى فى مشكلة، فقد بدأت المأساة الحقيقية عندما عاد ابن عمة والدتى وهو طبيب بعد رحلة عمل طويلة بإحدى دول الخليج حيث افتتح عيادة خاصة واستقرت أحواله والتقيت به فى تجمع عائلي، وفاتحنى فى موضوع الارتباط والتقدم لخطبتي, ورغم إعجابى الشديد به إلا أن خجلى منعنى من الرد عليه وإن كانت ابتسامتى وقتها قد فضحت ما أخفيه من إعجاب بشخصيته, وجاء إلى بيتنا طالبا يدى فعلا وكان يوما من أسعد أيام حياتى وفهم والدى موقفى من صمتى وعشت أياما عصيبة وأنا أحاول أن أتحدى الخجل ولكن هيهات, إذ أشعر وكأن رباطا يعقد لساني, وحتى فى الهاتف لم أستطع أن أقول له كلمة أحبك مما أثار المخاوف والشكوك لديه. وهنا ألقى على مسامعى كلاما كثيرا وقال إننى إذا لم أكن أريده فيجب أن أبلغه بذلك فأكدت له أنه يفهم أفعالى خطأ فمد يده وأمسك بيدى فإذا بى انخرط فى بكاء متصل، وهنا ساورته الشكوك بأن شيئا ما غير مفهوم فى تصرفاتى وليس الخجل وحده فأقسمت له أننى لم أحادث أحدا فى حياتي، وهذه هى المرة الأولى التى يلمسنى فيها أى شخص وعليه أن يقدر موقفي. لقد عقدنا القران لكنه أخبرنى أن موعد الزفاف مرتبط بتخلصى من الخجل لأنه لن يتزوج من فتاة تخجل من مجرد الكلام العادى مع زوجها وأن يوم زفافنا هو اليوم الذى يلى يوم تخلصى من الخجل نحوه على الأقل. إننى يا سيدى أحب زوجى الذى لم أزف إليه بعد لكن الخجل يقتلنى ولا أعرف كيف أتخلص منه؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول: أن تتمتع الفتاة بالخجل فهذا شيء محمود ولا خطأ فيه أما أن يتحول هذا الخجل إلى مرض يسيطر عليها ويجعلها تفقد شخصيتها فهذا هو الخطر الحقيقى الذى تندفع إليه دون أن تدري. والمسئولية هنا تقع على الأبوين اللذين يجب أن يفرقا بين التربية القائمة على العقل والحوار والتربية المفروضة بالعقاب والأوامر والفرمانات إذ لا يعقل أبدا أن تصل فتاة إلى المرحلة الجامعية وهى أسيرة نفسها لا تتكلم مع شاب أو تتعامل مع زميل لها, فالحياة لا تستقيم بدون وجود علاقة مع الآخرين، ولا يعنى أن تتكلم فتاة مع شاب أن تخرج بذلك عن حدود الأدب, فقد يأتى العكس بعواقب وخيمة فالبنت عندما تكون معدومة الخبرة بالتعامل مع الشباب تنجرف فى فترة ما إلى الخطأ دون أن تعى ذلك. وهناك من المآسى الكثير مما نسمعه ونقرأه على صفحات الصحف ووسائل الإعلام نتيجة التربية الخاطئة، وهذا لا يعنى أن يترك الأبوان لبناتهما الحبل على الغارب لكى يفعلن ما يحلو لهن، ولا يعنى الانغلاق التام, لأن النتيجة فى الحالتين غير مرضية، وإنما لابد أن تكون هناك فلسفة واضحة فى التربية وهى التفرقة التامة بين الكلام العادى الذى يتيح الفرصة لكل طرف أن يتعرف على الآخر وأن يكون الحديث فى مسائل الحب والزواج وخلافه عن طريق الأسرة, فإذا أراد شاب أن يتقدم لفتاة يرى فيها الزوجة المناسبة له، فليكن ذلك بالاتصال المباشر بأسرتها, وهذا يكسبه المصداقية وينعكس عليها بالطمأنينة له وتستطيع حينئذ أن تتواصل معه فى حدود تبادل الحديث لا أكثر فيتعرف كل منهما على طبيعة الآخر, وشيئا فشيئا تزال الحواجز بينهما بعد أن يجمعهما عش الزوجية. أيتها الفتاة العاقلة أنت لم تخطئى فى تصرفاتك مع خطيبك الذى لا يحق له أن يطلب منك ما هو أكثر من الكلام أما اللمس الذى تعقبه تنازلات أكبر فهى مرفوضة تماما, قولى له ذلك, فحينما تنتقلين إلى شقة الزوجية سيكون الوضع مختلفا وحينئذ ستكون له الحقوق الزوجية وسوف يدرك وقتها أنك تحبينه بكل جوارحك. وأقول له: لا تتسرع فى الحكم على فتاتك فلو أنها قدمت أى تنازلات لك حتى ولو لمس الأيادى فسوف يتسرب الشك إلى عقلك وفكرك فحافظ على الكنز الموجود الآن بين يديك, وهنيئا لكما هذا الحب الطاهر, والله الموفق.