«محافظ الإسكندرية»: ندعو المواطنين للمشاركة الإيجابية في العملية الانتخابية    حتى الآن.. 60 طعنا أمام الإدارية على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    مدبولي: زيادة ثقة الشركاء العالميين في القطاعات ذات الأولوية بالمجال الصناعي    مصدر مسؤول ينفي ما تداولته الصحف الإسرائيلية عن فتح معبر رفح للخروج من غزة    مصر السلام.. إيديكس 2025.. رسائل القوة بقلم    هيئة البث الإسرائيلية: التصعيد العسكري ضد لبنان مسألة وقت    كولومبيا تطرد أعضاء من الطائفة اليهودية المتشددة ليف تاهور إلى أمريكا    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية فى إندونيسيا ل 804 قتلى    دمشق: تأييد 123 دولة لقرار الجولان يعكس الدعم الكبير لسوريا الجديدة    محمد صلاح في القائمة النهائية لجائزة جلوب سوكر 2025    محمد صلاح على رأس القائمة النهائية لجوائز جلوب سوكر    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    مدبولي: معرض إيديكس أصبح يشغل مكانة عالمية في منظومة الصناعات العسكرية والأمنية    ضبط فني إلكترونيات روج لبيع المخدرات عبر مواقع التواصل بالجيزة    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    ضبط المتهمين في مشاجرة بالأسلحة البيضاء في الإسكندرية    الداخلية تضبط سيدة توزع أموالا على الناخبين فى طهطا    "نوة قاسم "جزءًا من التراث المناخى.. موعدها من 4 إلى 8 ديسمبر    التضامن: حافلات حديثة لنقل حجاج الجمعيات بين المشاعر والمناطق المقدسة    بعد اختياره شخصية معرض القاهرة للكتاب 2026.. معلومات عن الأديب نجيب محفوظ    مراسل إكسترا نيوز: 18 مرشحا يعودون للمنافسة فى الفيوم بعد قرار الإلغاء    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    على رأسها رونالدو.. صراع مشتعل على جائزة مميزة ب جلوب سوكر    «مشوفتش رجالة في حياتي».. أبرز تصريحات زينة    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    وزيرا التخطيط والمالية يناقشان محاور السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    زيارة دبلوماسية يابانية إلى فلسطين لتعزيز جهود الإعمار وتحقيق حل الدولتين    الأمن يضبط قضايا إتجار فى العملات الأجنبية تتجاوز 3 ملايين جنيه    مصر واليونان تتفقان على تعزيز الاستثمارات المشتركة في الطاقة والزراعة والنقل    حزمة إجراءات لرفع كفاءة الخدمات بوحدات الرعاية الأولية بالجيزة    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    3 ديسمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    3 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    وزير قطاع الأعمال العام يشارك في حفل سفارة الإمارات بالقاهرة بمناسبة عيد الاتحاد ال 54    محافظ القاهرة يوجه بوضع خطة عاجلة لتطوير الحديقة اليابانية بحلوان    وزير الخارجية يلتقي مع أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الألماني    موعد صلاة الظهر.... مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    محافظ الإسكندرية يتفقد لجان الاقتراع بدائرة الرمل    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    العربية للتصنيع توقع مذكرة تفاهم واتفاقية تعاون مع شركة "Sofema" الفرنسية في صيانة وعمرة محركات الطائرات    «غني بالمعادن ومضادات الأكسدة».. الفوائد الصحية للعنب    احتفاءً بأديب نوبل، القاهرة للكتاب والوطني للقراءة يطلقان مسابقة لإعادة تصميم أغلفة روايات محفوظ    «ميدوزا»: كفاءة عالية رغم سوء الأحوال الجوية    بعد لقائهما المسلماني.. نقيبا السينمائيين والممثلين يؤكدان تعزيز التعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام    مواعيد مباريات اليوم.. مهمة محلية لصلاح ومجموعة مصر في كأس العرب    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    فيدرا تدافع عن كلاب الشوارع: عندنا مشكلة إدارة وعندي 40 قطة و6 كلاب معيشاهم في بيتي    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مدحاء» العمانية و«النحوة» الإماراتية.. لا فواصل أو حواجز أو أسلاك

* مهمة صحفية فى الشارقة تقود إلى دخول عُمان والعودة للإمارات مرتين فى يوم واحد
* القبائل تضم مواطنين من الدولتين.. والكل يعرف حدود مناطق سيادته
* نائب رئيس مكتب حاكم الشارقة: البلدان عينان فى رأس واحد.. وأهل المنطقتين بينهم نسب ومصاهرة
هذه تجربةٌ مدهشة، قد يمر بها الصحفى فى عمره مرة واحدة، قادتنى إليها المصادفة، لكن لم يكن من الممكن تفويتها. الأصل أننى كنت فى مهمة صحفية فى مدينة الشارقة، بدولة الإمارات العربية المتحدة، لمتابعة وتغطية وقائع مهرجان فنى ثقافى، وبينما كنت فى طريقى إلى إحدى الفاعليات المقامة فى قرية نائية، فجأة وجدت مرافقى «الإماراتى» يقول بهدوء: «نحن الآن فى سلطنة عُمان»!. أبديتُ اندهاشى متعجبا، وجرت التساؤلات على لسانى متلاحقة، لكنه عاد ليضيف قائلا: «نعم هذه أرض عُمانية، وسوف نخرج منها بعد قليل مرة أخرى، لنعود إلى الإمارات حتى نصل إلى مقصدنا».. هكذا جاءت بداية التجربة.. وإليك تفاصيلها المثيرة!
صباح اليوم الثانى من رحلتى فى مدينة الشارقة، الأحد 14 أبريل الماضى، لتغطية فاعليات مهرجان «أيام الشارقة التراثية»، الذى ينظمه سنويًا «معهد الشارقة للتراث»، تلقيت اتصالا من محمد البرزنجى مسئول العلاقات العامة والإعلام فى المهرجان، أخبرنى فيه بأنه سوف يحضر إلى الفندق، لاصطحابنا؛ الزميلة عبير ظلام المذيعة بإذاعة «صوت العرب» وأنا، للتوجه لمتابعة احتفال كبير ضمن أنشطة المهرجان، سوف يقام فى منطقة «النحوة»، وليس فى المقر الرئيسى للمهرجان المعروف باسم «ساحة الأيام». وكنا الإعلاميين الوحيدين المدعوَّين إلى احتفال «النحوة». أبدينا موافقتنا، وجلسنا فى الانتظار.
حضر «البرزنجى»، وانطلقنا، وخلال طريقنا الطويل إلى «النحوة»، دارت حوارات عديدة، تحدث خلالها عن «طريق الأحلام» الذى تسير فيه الشارقة دون توقف، لا سيما فى مجال الثقافة والإعلام، مشيرا إلى مشروع «مدينة الشارقة للإعلام» الذى بدأ العمل فيه قبل نحو عام، قائلا إنه من المقرر بدء العمل الإدارى فى المدينة العام المقبل، عبر البدء فى تأجير الأماكن داخلها للقنوات التليفزيونية والإذاعات والصحف أيضا، تمهيدا لانطلاق العمل الإعلامى فى غضون عام 2020.
واستمرارا فى «طريق الأحلام»، تحدث مرافقنا أيضا عن الطريق الجديد الذى نسير فوقه بالسيارة، فى رحلتنا إلى مقصدنا، قائلا إنه الطريق إلى «خورفكان»، الذى كان الدكتور سلطان القاسمى حاكم الشارقة قد افتتحه فى اليوم السابق، وأوضح محدثنا أن أهمية الطريق تنبع من كونه يختصر الزمن بين الشارقة وخورفكان بشكل كبير، وأن عملية إنشائه استلزمت الحفر فى جبال ذات طبيعة صخرية قاسية، بارتفاع «بناية» أى مبنى فى بعض الأماكن، بالإضافة إلى إقامة أربعة أنفاق، مررنا خلالها، ويصل طول أحدها إلى 900 متر، ثم قال «البرزنجى» ضاحكا: «نحن الآن فى رحلتنا هذه نُعتَبر ثانى من ساروا على هذا الطريق الجديد بعد افتتاحه».
نائب رئيس مكتب حاكم الشارقة: البلدان عينان فى رأس واحد.. وأهل المنطقتين بينهم نسب ومصاهرة
وبالفعل، كانت الصور تتلاحق من نافذة السيارة لتؤكد كلمات مرافقنا، حيث بدت الجبال الشاهقة المَهيبة إلى اليمين ترافقنا فى رحلتنا، وكأنها تحرسنا، وإلى الجوار - فى اليسار- كانت تظهر من آن لآخر مشاهد ساحرة لطبيعة خلابة، احتمت بالجبل، واستكانت فى حرمه، فى سكون، فاحتضنها هو الآخر رغم قسوة صخوره فى وداعةٍ وحنوّ. مازالت الصور تتلاحق، واللافتات الموضحة للمعالم تتوالى، عبرنا منطقة «سد الرفيصة» الذى تَجَمَّعَ عنده الأهالى للتمتع بجمال المياه والخضرة، بينما كانت إحدى معدات الحفر العملاقة لا تزال باقية فى مكانها، بعد أن أعملت آلاتها فى الجبل، لترويضه، وفتح الطريق أمام مواكب البشر، نحو كل هذا السحر والبهاء.
شيئا فشيئا بدأت ملامح الجبال الشاهقة تتباعد، لتقترب بدلا منها مشاهد المبانى والسيارات، انحسرت تدريجيا صور الطبيعة والخيال والجَمال، ليحل محلها المدنية والعمران وصنع الإنسان، وسط الجبال الحارسة أيضا، لكن عن بعد. وفجأة قطع محمد البرزنجى سيل الخيال المتدفق أمام أعيننا، بجملة بدت أكثر خيالية فى آذاننا، قال بينما كان يداعب هاتفه دون اكتراث: «الآن نحن فى عُمان»!.
تبادلتُ النظر مع زميلتى عبير ظلام، وخُيِّل لنا أننا لم نستمع جيدا لما قاله، فسألته الزميلة: «نحن الآن عند الحدود الإماراتية العُمانية؟!»، فجاء رده سريعا: «نعم نعم.. سوف نصل إلى الحدود لنعبرها إلى (النحوة).. لكننا الآن فى عُمان.. وبالتحديد فى ولاية (مدحاء) التابعة لمحافظة (مسندم) العمانية»!.. عشرات علامات التعجب قفزت سريعا إلى وجهينا، تلتها عشرات الأسئلة، المندهشة، المتحيرة، الطالبة للمزيد من المعلومات.
»هل نحن الآن فوق أرض عُمانية؟!.. هل خرجنا من دولة الإمارات؟!.. أين الحدود؟!.. لم نتوقف لحظة بسيارتنا.. فأين الفواصل؟!.. أين الحواجز؟!.. أين الأسلاك؟!.. ألا يثير هذا التداخل أى مشاكل؟!».
بدأ «البرزنجى» إجاباته بالرد على السؤال الأخير، فقال: «لا لا أبدا.. من سنين والناس عايشة على هذا الحال.. نعم خرجنا من الشارقة فى الإمارات والآن نحن فى (مدحاء) بعُمان.. وسوف نخرج - فى طريقنا- من عُمان لنعود مرة أخرى إلى (النحوة) التابعة لإمارة الشارقة.. هنا فى هذه المناطق تعيش القبائل التى يضم كلٌّ منها مواطنين إماراتيين وعُمانيين معا.. هنا يتزوج الناس من أبناء البلدين بعضهم بعضا.. ويعيشون معا ويقيمون حياة.. لا فرق بينهم.. هذه حقيقة قائمة بالفعل وواقع على الأرض».
لقبائل تضم مواطنين من الدولتين.. والكل يعرف حدود مناطق سيادته
قلت له: «أدام الله المحبة.. ولكن عذرًا.. أنت تعرف أن مشاكل الحدود بين الدول فى مختلف أرجاء العالم قد تثير نزاعات طويلة لسنوات وسنوات.. ونحن هنا الآن لم نلحظ وجود أى حواجز أو نقاط أمنية أو بوابات.. ولم نجد حتى سلكا - أو حجرا- يشير إلى الحدود الفاصلة بين الدولتين».
ردَّ قائلًا: «هذا صحيح.. لا فواصل أو حواجز أو أسلاك.. ولا مشاكل أيضًا أبدًا.. وكما تعلم فإنه لا تأشيرات دخول بين دول الخليج بشكل عام.. ولكن مع هذا فإن كلًّا من البلدين يعرف بشكل دقيق مناطق سيادته وحدودها».
ثم أراد محدثى أن يدلل بالواقع العملى المرئى على كلامه، فأشار إلى سيارة شرطة كانت تسير على بعد، قائلا: «هل شاهدت هذه السيارة؟.. هذه سيارة تابعة للشرطة العمانية». ثم بدأ يلفت نظرنا إلى المبانى القائمة واللافتات والأعلام المرفوعة فوقها.
وأخذت المشاهد تتوالى بالفعل.. مبنى مركز التنمية الزراعية بوزارة الزراعة والثروة السمكية وفوقه علم سلطنة عمان.. لافتة قيادة شرطة محافظة «مسندم» مركز شرطة «مدحاء» وفوقها شعار سلطنة عمان.. ولافتة أخرى تحمل تحذيرا باللغتين العربية والإنجليزية «يمنع قطع أو اقتلاع أو الإضرار بالنباتات البرية أو الاعتداء على الحياة الفطرية إلا بتصريح من الجهات المختصة بالوزارة»، موقعا باسم إدارة البيئة والشئون المناخية لمحافظة «مسندم»، وفوقها أيضا شعار سلطنة عمان.
وهكذا.. لم يعد مفاجئا لنا ما ذكره لنا محمد البرزنجى بعد قليل فى رحلتنا، عندما قال: «نحن الآن عدنا إلى الشارقة.. فى طريقنا إلى (النحوة)».. وكما دخلنا عُمان خرجنا منها؛ لا فواصل أو حواجز أو أسلاك!.
أخيرًا.. وصلنا إلى «النحوة»، تلك المنطقة الإماراتية، التى تقع فى قلب «مدحاء»، تلك المنطقة العمانية، التى تقع بدورها فى قلب أرض دولة الإمارات العربية المتحدة.
وخلال متابعة فاعليات الاحتفال بالمنطقة، ضمن أنشطة مهرجان «أيام الشارقة التراثية»، سيطرت على أذهاننا وأسئلتنا للمشاركين من المسئولين والحاضرين هذه الحالة الفريدة من التداخل والتكامل الإنسانى بين مواطنى البلدين الجارين. وجاءت الردود والتعليقات دالَّة بسيطة وموجزة، فالمرء غالبا عندما يعيش واقعا حياتيا يوميا يعتاده وينغمس فيه، بما يجعله عاجزا عن توصيفه، مهما يكن هذا الواقع مدهشا.
الشيخ هيثم بن صقر القاسمى، نائب رئيس مكتب حاكم الشارقة فى مدينة كلباء، فسَّر لنا هذه الحالة بقوله: «العادات والتقاليد متقاربة، وتكاد تكون موحدة بين دول مجلس التعاون الخليجى، فالإمارات وسلطنة عمان هما كما نقول عينان فى رأس، وأبناء المنطقتين هم أهل، بينهم نسب ومصاهرة، والاحتفالات تكون دائما مشتركة، فإذا كان الاحتفال فى أرض عمان فإن أبناء الإمارات يشاركون فيه، كما أن الإخوة فى عمان يشاركون فى احتفالاتنا، كما نرى الآن فى هذا الاحتفال، ونتمنى أن تكون الاحتفالات موحدة على هذا النحو على مستوى الوطن العربى كله».
محمد النقبى، مواطن إماراتى من كبار السن من أبناء مدينة «خورفكان»، ردَّ على تساؤلاتى حول الحدود بين البلدين بلهجة بدوية محببة قائلا: «فى الإمارات وعمان كلنا سواسية، القبائل تتزاور، ولا موانع بيننا، نتزوج من بعضنا البعض، بيننا حسب ونسب، هذا هو الحال، اللهجات تتغير ولكن لا فرق، كلنا واحد، كلامنا وعاداتنا، وحتى قهوتنا واحدة».
بل إن التشابه والتقارب يصل إلى الأكلات الشعبية ذاتها، هذا ما أكدته لنا السيدة الإماراتية «شيخة»، التى راحت تُعدِّد أسماء عدد من الأكلات التى تشتهر بها المنطقة على الجانبين، الإماراتى والعمانى، مثل «الهريس» و«اللقيمات» و«العرسية» و«الخبيص» و«القروص».
وبالإضافة إلى هذه الأكلات المشتركة، هناك أيضا «المشاكيك»، وهى أكلة عُمانية لكن الإماراتيين يعشقونها، وكان لى معها تجربة، أرويها هنا فى ختام الرحلة.
«المشاكيك» وجبة عمانية يذهب الإماراتيون لتناولها ثم يعودون إلى بلادهم
وما يبقى - صحفيا- قبل الختام هو الجانب المعلوماتى حول المنطقة، التى تمثل واحدة من أبرز أمثلة التعايش بين الشعوب فى الدنيا، لذا فقد شغلت تفكيرى، حتى بعد عودتى، ورُحت أبحث عنها وفيها؛ تاريخها وخرائطها، وخلفيات التقارب بين أبنائها.
«مدحاء»، أو «مَدحا» دون همزة، كما ينطقها أهلها، التى تضم داخلها «النحوة»، هى منطقة تُعد بمنزلة متحف طبيعى، بما تحويه من نقوش وكتابات تعود للقرون الهجرية الأولى، وما قبلها حتى ما بين عامى 1500 وألف قبل الميلاد، فضلا عن الكهوف والمغارات الجبلية والمقابر التاريخية، والحصون المشيدة فوق قمم الجبال من الحَصَى، لتكون أبراجًا للمراقبة.
وحول قصة الحدود بين الإمارات وعمان، تبين لى أن البلدين وقعا يوم 22 يوليو عام 2008 اتفاقية الترسيم التى شملت 51 خريطة وثلاث قوائم إحداثيات حددت مواقع علامات الحدود فى ثلاثة قطاعات حدودية بينهما، وذلك تنفيذا لاتفاق مايو 1999 التاريخى، الذى وقعه الرئيس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الرئيس الأسبق لدولة الإمارات العربية المتحدة رحمه الله، مع السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان فى منطقة «صحار».
أخيرا.. فى طريق عودتنا من «النحوة»، كان الليل قد أرخى سدوله علينا، وحلَّ الظلام فوق رءوسنا، لكن الظلام لم يمنع إشراق الأفكار حول هذه التجربة المدهشة، طلبت من مرافقنا الصديق محمد البرزنجى التوقف عند بعض «معالم التعايش» التى شهدناها، لالتقاط الصور الدالَّة عليها، وافق على الفور ورحَّب، وساعدنى مع الزميلة عبير ظلام فى التصوير، لكن «البرزنجى» أصر أيضا على التوقف لسبب آخر، هو تناول «المشاكيك»، وهى عبارة عن قطع صغيرة من اللحم أو الدجاج أو المأكولات البحرية، توضع فى عصا خشبية صغيرة، ثم يتم شواؤها، لكن سرها هو فى الخلطة الحمضية اللاذعة التى توضع فوقها فى أثناء عملية الشواء، أما سبب التسمية فيرجع إلى اعتبار أن العصا الخشبية تقوم «بشكِّ» قطع الطعام الموضوعة فيها. وفى انتظار إعداد «المشاكيك»، فى آخر نقطة من «مدحاء»، وقفتُ أتأمل حركة السيارات ليلا، عند مفترق الطرق الأخير، الذى يعنى عبوره العودة من عُمان إلى الإمارات، سيارات عمانية، وأخرى تحمل لوحات إماراتية، جاء أصحابها لتناول الأكلات المحببة، سيارات تدخل وأخرى تخرج فى هدوء، ولافتة كبرى فى مواجهة القادمين، دُوِّن عليها: «بسم الله الرحمن الرحيم.. سلطنة عمان.. محافظة مسندم.. ولاية مدحاء ترحب بكم». تناولنا طعامنا، ثم انطلقنا بسيارتنا، عبرنا الحدود للمرة الثانية، تماما كما عبرناها أول مرة.. لا فواصل أو حواجز أو أسلاك!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.