وحدت همومها فجعلتها هما واحدا وهو هم الآخرة - فكانت لاتنشغل بزخارف الدنيا الفانية، بل كانت تعلم يقينا أن تسبيحة واحدة فى صحيفة المؤمن خير من الدنيا وما فيها فجعلت بيتها مسجدا وضربت المثل فى العبادة وتعايشت مع كتاب الله حتى أصبحت كل آية فيه وكأنها تسرى فى عروقها لتغذى قلبها بنضرة الايمان ورحيق الطاعة.كل هذا من أجل الاقتراب من صحابية كريمة وهى أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الانصارية، وكانت واحدة من نساء الانصار اللاتى سطرن أروع الصفحات فى تاريخ الاسلام فقد أسلمت مع السابقات وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وبدأت تتعايش مع آيات الله فكانت تقرأ القرآن آناء الليل وأطراف النهار حتى صارت قارئة مجيدة تتقن قراءته وفهمه وحفظه غاية الاتقان، وعندما أراد أبو بكر الصديق رضى الله عنه أن يجمع القرآن بعد وفاة رسول الله كانت أم ورقة من المراجع الاساسية والهامة التى اعتمد عليها الخليفة عندما أمر زيد بن ثابت بجمع القرآن وهكذا كانت أم ورقة صائمة قائمة عابدة لله عاكفة على خدمة دين الله.كان رسول الله يقدر أم ورقة ويعرف مكانتها ويقدر تقواها وعبادتها ودورها واهتمامها البالغ بكتاب الله فكان يزورها بين الحين والحين إكراما لها وإعزازا لمكانتها، ولقد كانت أم ورقة تحب الجهاد وتشتهى الشهادة فى سبيل الله، فلما علمت أن النبى صلى الله عليه وسلم قد وصى أصحابه للخروج فى غزوة بدر فما كان منها الا أن أسرعت نحو النبى تستأذنه فى أن تخرج معه لتداوى الجرحى طمعا منها فى أن يرزقها الله الشهادة، فما كان من النبى الا أن طلب منها أن تجلس فى بيتها وبشرها بأن الله سيرزقها الشهادة وهى فى بيتها، وعادت تلك العابدة الزاهدة الى بيتها طاعة لأمر رسول الله وهى تنتظر الشهادة التى بشرها بها رسول الله.وعلم الناس بتلك البشارة التى بشرها بها رسول الله حتى كان الحبيب اذا أراد أن يزورها يصطحب معه عددا من أصحابه الكرام ويقول لهم: انطلقوا بنا نزور الشهيدة.ولما توفى الحبيب حزنت عليه أم ورقة حزنا كاد يمزق قلبها ولكنها بقيت على العهد عابدة زاهدة قائمة صائمة. ومازالت تذكر بشارة الرسول لها بأن الله سيرزقها الشهادة، ومات رسول الله وهو راض عنها.وحان وقت الرحيل وتأتى اللحظة المناسبة التى قدر لها أن يرزقها الشهادة، وكانت أم ورقة ليس معها أحد فى بيتها إلا غلام وجارية يخدمانها ويعيشان معها وهما قد ورثتهما من أهلها، فلما أسلمت وعدتهما بالحرية والعتق بعد موتها، فما كان منهما الا أن تعجلا موتها، فدبرا ذات ليلة جريمة قتلها، فماتت شهيدة الظلم والبغى والغدر تماما كما بشرها رسول الله، وفرا هاربين ولكن أمسكت بهما يد العدالة وأعيدا الى المدينة حيث لقيا جزاء ما جنت ايديهما فقتلا وصلبا ليكونا عبرة لمن يعتبر، فرضى الله عنها وأرضاها وجعل جنة الفردوس مثواها.