صدر أخيرًا كتاب لوزيرة خارجية الولاياتالمتحدة السابقة مادلين أولبرايت بعنوان «الفاشية : الإنذار» عن دار نشر سالفاتور الأمريكية. وإذا كانت وزيرة خارجية كلينتون لا تتمتع بشعبية فى الدوائر العربية إلا أن الكتاب يعالج الظاهرة التى تهدد ديمقراطيات العالم ويكشف عن شخصية مختلفة لأولبرايت التى عرفتها بفضل منهجها الأكاديمى وتباعدها حاليا عن مناورات السلطة.. تؤكد أولبرايت أنه فى عام 1998 انتشرت آمال جديدة ديمقراطية عبر العالم عقب انهيار حائط برلين مؤكدة أن نهاية المنافسات بين القوى العظمى شكلت لحظة واعدة وأملاً تاريخياً جديداً بأن يتمتع العالم بعدالة واستقرار وتحضر أكبر. تولت أولبرايت عام 1997 مسئولية الدبلوماسية الأمريكية فى عهد كلينتون وكان التفاؤل يشع فى دوائر السلطة واشنطن عقب بزوغ فكر مؤثر لعالم سياسى أمريكى من أصول يابانية فرانسيس فوكوياما الذى كتب عام 1989 مؤلفه الشهير «نهاية التاريخ».. وتؤكد أولبرايت أن هذا الملف كان يبشر بنهاية الصراعات الأيدولوجية الجوهرية وأن منظوراً شاملاً لمصلحة الديمقراطية الليبرالية كان يتوطد ويستقر. وتتذكر أولبرايت أن فى فجر هذه اللحظة المشرقة كنت من الذين يعتقدون أن الديمقراطية قد انتصرت على أكبر تحد، لأن الاتحاد السوفيتى وجد نفسه متأثراً بضعفه الاقتصادى وايديولوجيته البالية وتحطم مثل الإناء الذى يقع على البلاط ! الاتحاد السوفيتى كان يعلم أن أيامه معدودة بسبب الطغيان والمظالم الذى ارتكبها.. وتراجع فى كتابها الدور الدولى للولايات المتحدة وتعدد المبادرات الأمريكية ومساندتها للديمقراطية والنظام المتعدد الأطراف وتكتب «لقد ساعدنا فى ضمان أمن المفاعل النووية فى عقب تفتيت الاتحاد السوفيتى، واستطعنا من خلال فتح أبواب الحلف الأطلنطى حث دول أوروبا الوسطى على توطيد ديمقراطياتها ومنع عودة المعارك الطائفية التى قد تجعل المنطقة أكثر تعرضاً للفاشية, لقد ساعدنا الصين والهند على تحرير اقتصادهما وقمنا بتعزيز حقوق الإنسان والمرأة والعمال من خلال تحسين ظروف العمل. لم يكن أحد يتصور فى دائرة بيل كلينتون ومادلين أولبرايت أن هذه الانفراجة سوف تكون مؤقتة.. وتطرح هنا كاتبة هذا العرض هذا السؤال ألم يقل كلينتون فى الأسابيع الأخيرة من إدارته والتى خصص فيها جزءا كبيرا للمفاوضات بين ايهودا باراك وياسر عرفات كنا على وشك توقيع اتفاق سلام شامل ولكن لم نتمكن !وتؤكد أولبرايت أن لا أحد كان يستطيع أن يتصور أن التاريخ سوف يأخذ حركته من جديد فى ارتطام مع العنف ! وتستطرد إن كتاب «الفاشية :الإنذار» قد ولد من هذا التغير غير المتوقع : أحداث طارئة فى مواجهة بزوغ تهديدات إجمالية مثل الإسلام الليبرالى أو أفعال الديكتاتور سلوبودان ميلوسفيتش الذى تحول إلى مطهر عرقى عندما انفجرت وتفتت الفيدرالية اليوجوسلافية وظهرت أنظمة بعيدة عن كونها دول قانون خالية من حقوق الإنسان ومن بينها أوربان بالمجر وأوردغان فى تركيا ! وتستطرد أولبرايت نحن نعلم أن الفاشية والميول التى تؤدى إليها مآس إيمائية قائمة على التقليد الأعمى ومعرضة للانتشار ! والدليل على ذلك أن هؤلاء المبتدئين أو المتمرنين يقومون بتقليد تكتيات خطط قمعية أنتشرت فى فنزويلا أو روسيا منذ خمسة عشر عاما.. حيرنى كتاب أولبرايت التى أرادت أن تقدم نفسها فى ثوب جديد وفتح جدالا واسعا فى الغرب، خاصة انذارها عن تصاعد الفاشية فى ضوء مواقف ترامب ازاء القدس والجولان والاوضاع المتردية فى منطقتنا العربية. لمزيد من مقالات عائشة عبد الغفار