للرئيس الأمريكى دونالد ترامب كتاب شهير: فن الصفقة أو Art of the Deal، وكان مع برنامجه التليفزيونى الصبى أو التلميذ أو The Apprentice من أهم أدواته خلال الحملة الانتخابية الرئاسية فى عام 2016. فالصورة التى حاول المرشح أن يرسمها لنفسه قامت أولا على أنه غنى وثروته تتجاوزعشرة مليارات دولار, وكان ذكر الرقم للتدليل على أن المرشح لا يحتاج إلى المنصب، كما أنه هو الذى يصرف على حملته الانتخابية مختلفا فى ذلك عن المنافسين له الذين لابد أن ولاءهم يرجع إلى هؤلاء الذين يتبرعون لهم. وثانيا أن ما جمعه من مال يرجع إلى مهارته، وإتقانه فنون الصفقات التى تجعله يكسب دائما، وهو ما يزمع تحقيقه للشعب الأمريكي، وأمريكا التى ستصبح أمة عظيمة مرة أخري, وهو شعار كان يضرب به خصومه ومنافسيه من الجمهوريين والديمقراطيين. وثالثا أن غناه وحصافته كرجل أعمال ناتجة عن قوة شخصيته التى تجعله قادرا على الاستغناء عن الحلفاء والأصدقاء ما لم يكونوا على استعداد لدفع تكلفة قيام أمريكا بالدفاع عنهم, فهو لا يهمه فى الأول والآخر إلا أمريكا التى ينبغى أن تسبق الجميع. وما حدث أن ترامب فاز على منافسيه الجمهوريين فى الانتخابات التمهيدية، وفاز على منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون، رغم أنه ثبت أن ثراءه لا يزيد كثيرا على ثلاثة مليارات دولار، وأنه فى أثناء إدارته أعماله أشهر إفلاسه أربع مرات, والأهم من ذلك كله رفضه إشهار صحيفة ضرائبه فى أثناء الحملة الانتخابية وما بعد فوزه وحتى الآن، كل ذلك أشار إلى أن وراء الأكمة ما وراءها، فالإقرار الضريبى سوف يشهر علاقاته الاقتصادية فى الداخل والخارج، وخاصة مع المصادر الروسية التى كان متهما بتعاونها معه من أجل الفوز بالبيت الأبيض. هذه الصورة استمر الرئيس الأمريكى فى ترويجها بشكل كبير خارج الولايات المتحدة وخاصة فى ستة أمور ذات أهمية خاصة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها. واحدة منها فقط أطلق عليها تعبير الصفقة وهى التى سماها صفقة القرن والتى لها علاقة بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطينى الإسرائيلي. وهى كما نعلم حتى الآن رهينة انتظار تشكيل الحكومة الإسرائيلية وانتهاء شهر رمضان المعظم, ولأنه اعتمد طريقة فرض الأمر الواقع فيما يتعلق بموضوعات الوضع النهائى (القدس واللاجئين والحدود) فإنه لم يبق الكثير الذى يمكن التفاوض حوله، ومحاولة رشوة السلطة الوطنية الفلسطينية. وفى كل الأحوال فإن الرئيس أبو مازن رفض الدور الأمريكى كله, وفشلت الصفقة قبل أن تبدأ. مع الصين فإن ترامب بدأ بدعوة الرئيس الصينى شى جين بينج وزوجته إلى قصره فى مارا لاجو بولاية فلوريدا، ربما لكى يبهر الزعيم الصينى بالمكانة الخاصة والكرم. وبالطبع فإن ذلك لا يبهر قادة دول صغري، وكانت النتيجة حملة من ترامب على ما سماه الغش الصيني، وصاحبها بفرض الضرائب الجمركية على حزمة من السلع الصينية. ورغم أنه استمر فى فرض الضرائب على حزم متصاعدة من السلع، فإنه فتح باب المفاوضات مع الصين فى الوقت نفسه، ورغم ما نشر عن التقدم فى المفاوضات، فإنه استمر فى فرض الضرائب على السلع الصينية مما أدى فى النهاية ليس فقط إلى أن الصين وضعت ضرائبها هى الأخرى على السلع الأمريكية، وإنما توقفت عن عقد جولات إضافية من المفاوضات. مع كوريا الشمالية كانت البداية تهديدات بالغضب والنار، فما كان من سيول إلا المضى فى تجاربها الصاروخية، وبعدها عرض ترامب المقابلة مع كيم جونج أون فكان الاجتماع فى سنغافورة، وباتت الصفقة أن تنزع كوريا الشمالية كل ما يتعلق بتطوير السلاح النووي، مقابل أن ترفع واشنطن عنها كل أنواع العقوبات. المعتاد فى مثل هذه الصفقات أن يتم وضع جدول زمنى لنزع السلاح، مقابل جدول زمنى آخر لرفع العقوبات، ولكن رجل فن الصفقة صمم على أن يتم نزع السلاح أولا قبل أن يبدأ فى الحديث عن رفع العقوبات. بعد شد وجذب، وحتى لا يكون هناك خلط فى الأمور، عقد اجتماع آخر فى هانوي، وهناك لوح ترامب لكيم أون بأنه سوف يجعل كوريا الشمالية مثل فيتنام، ولم يكن فى الكلام إغراء عملي. المنهج نفسه اتبعه ترامب مع إيران، فكان التهديد والوعيد، وكما نرى حشد القوات وتعبئتها، ثم بعد ذلك طلب من الإيرانيين أن يرفعوا السماعة ويتصلوا به، وفى المقابل أغلقت طهران كل السماعات وأعطت إشارات بالاستعداد للحرب. روسيا كانت الدولة التى وعد ترامب الشعب الأمريكى بأنه سوف يقيم معها علاقات ممتازة، وأعطى فوق ذلك إشارات بالاستعداد للتغاضى عن ضم موسكو منطقة القرم، ولكن قضية التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية ألغت الطريق إلى صفقة أمريكية روسية تحل كل المشكلات العالمية. ومع أوروبا كانت صفقة ترامب أن يحصل من حلفائه فى حلف الأطلنطى على أموال مقابل الحماية فلم يحصل على شيء. ومع الدول الصديقة فى الخليج عرض الصفقة نفسها، ولكن دول الخليج العربية أعطته ورقة بمذكرات تفاهم ورسائل متبادلة حول أسلحة لم يتم الانتهاء من تصميمها بعد بقيمة 110 مليارات دولار، ولكن ما حصل عليه ربما يكون أكثر قليلا من مليار مقابل الإحلال للذخائر الخاصة بالحرب فى اليمن. الخلاصة أنه بعد أكثر من عامين من تولى رئاسة الدولة، فإن ترامب لم يصل إلى صفقة واحدة من الصفقات التى وعد بعقدها, وأكثر من ذلك فإن علاقاته مع جميع الأطراف التى دعاها للاتصال به، والحديث معه، تدهورت وجرت الصفقات فى اتجاهات أخري، فكوريا الشمالية طورت علاقاتها مع كوريا الجنوبية، والصين وروسيا اقتربا من بعضهما بعضا، والثقة مع أوروبا تراجعت بل وجاء مكانها تراث من عدم الثقة خاصة من فرنسا وألمانيا، ولولا أن بريطانيا منشغلة بالبريكسيت فربما لن تكون هى الأخرى راضية عن الطريقة التى يتعامل بها ترامب لا مع الملكة إليزابيث ولا رئيسة الوزراء تريزا ماي. لم تظهر للرئيس الأمريكى مهارة فى عقد الصفقات، على الأقل حتى الآن!. لمزيد من مقالات د. عبد المنعم سعيد