أخطر أنواع السياسة، ممارستها بشكل غير مباشر من خلال منبر ثقافى أو فنى ثم التأكيد بعد ذلك أن الأمر لا علاقة له بالسياسة. المغنية الأمريكية الشهيرة مادونا ليست سياسية بالطبع، لكنها تقول إنها مهتمة بالقضايا الانسانية، ومنها مايحدث بالأراضى الفلسطينية. وقد أصدرت بيانا، ردا على الانتقادات الشديدة لمشاركتها فى حفلات مسابقة يوروفيجن بإسرائيل قبل أيام، جاء فيه: قلبى ينفطر كلما أسمع عن الأرواح البريئة التى تزهق والعنف المستمر الذى عادة ما يُرتكب بما يناسب الأهداف السياسية لمن يستفيدون من هذا الصراع القديم (تقصد الصراع العربى- الإسرائيلى). لكن السؤال: لماذا المشاركة بحفلة على هامش مسابقة سنوية أوروبية، وإسرائيل عضو بها، بينما مادونا أمريكية. ترد المغنية بأن الموسيقى توحد الشعوب ولا علاقة لها بالسياسة. المشكلة مع تلك الحجة أن إسرائيل وأمريكا لا تلتزمان بها، والدليل المعاملة المهينة من جانب الدولتين لمنظمة اليونيسكو المفترض أنها معنية بالتربية والثقافة والعلوم لكن واشنطن وتل أبيب انسحبتا منها وحاولتا وقف نشاطها. ثم ألا تقام مهرجانات فنية وثقافية كبرى لخدمة أغراض سياسية؟. ورغم اللفتات الصغيرة التى أبدتها مادونا خلال الحفل مثل رفع علم فلسطين إلى جانب العلم الإسرائيلى، إلا أن خطأ المشاركة أكبر من مجرد بادرة رمزية، فكيف ستغير إسرائيل سلوكها إزاء الفلسطينيين بينما يشارك العالم فى مهرجاناتها ومناسباتها، وكأن شيئا لا يحدث. انعقاد المسابقة بإسرائيل لا يعنى فشل المقاطعة، فقد كانت دعوات الفنانين والمثقفين المطالبة بنقل المسابقة من بلد ينتهك اتفاقيات الأممالمتحدة باستمرار احتلالها، رسالة مهمة للتذكير بأن الوضع ليس طبيعيا حتى لايستخدم البعض الكليشيه القائل بأنه لا علاقة للثقافة والفن بالسياسة، فإسرائيل نفسها كانت راغبة فى عقد المسابقة بالقدس لتوجيه رسالة بأنها عاصمتها دون جدال لكن الضغوط نجحت فى نقلها لتل أبيب. من مالاوى إلى هايتى ودول أخرى، تمارس مادونا نشاطا إنسانيا مشكورا، لكن هذا لا يمنع أن بعض تصرفاتها له أبعاد سياسية كانتقاد اليمين المتطرف الفرنسى مثلا. وعلى الأرجح، فإن مشاركتها فى يوروفيجن تقع تحت بند السياسة. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالله عبد السلام