ما كاد الرئيس الأوكرانى الجديد فلاديمير زيلينسكى يلتقط أنفاسه بعد اكتساحه غريمه ومنافسه بيترو بوروشينكو الرئيس المنتهية ولايته، حتى تعالت أصداء عدد من القرارات التى أعادت العلاقات الروسية الأوكرانية إلي صدارة المشهد السياسى فى كل من موسكو وكييف، فى إطارسابق عهدها من السخونة والتوتر، وفى توقيت يشهد تصاعد التوتر بين زيلينسكى والأغلبية الموالية لبوروشينكو فى البرلمان الأوكراني، على وقع احتمالات اتخاذه قرار حل هذا البرلمان. وجاء قرار الرئيس فلاديمير بوتين حول التعجيل بتسهيل حصول الأوكرانيين ،من مواطنى جنوب شرق أوكرانيا ،على الجنسية الروسية ليفتح الباب أمام سلسلة من القرارات التى اتخذها خصومه فى كييف، ومنها ما أقره مجلس الرادا الأوكرانى من قانون اعتبار اللغة الأوكرانية لغة رسمية وحيدة للبلاد، بما يعنى النيل من وضعية اللغة الروسية وغيرها من لغات الأقليات فى اوكرانيا، وما يتبع ذلك من تغييرات جذرية فى حياة البلاد، تطول كل القطاعات الحيوية وفى مقدمتها التعليم والتشريعات القانونية وشتى مناحى الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. ورغم أن الرئيس الأوكرانى الجديد لم يكشف بعد عن احتمالات تغييرات جذرية تنال مما سبق وانتهجه سلفه بوروشينكو تجاه المحاور الرئيسية للتوجهات السياسية الخارجية لأوكرانيا، وأهمها التمسك برغبة الانضمام إلى كل من الناتو والاتحاد الأوروبي، واعتبار روسيا العدو الرئيسى لأوكرانيا فى المنطقة، فان هناك فى موسكو من يظل يتشبث بالأمل فى احتمالات حدوث تحولات قد تخفف من حدة التوتر القائم بين البلدين. وكانت الأيام القليلة الماضية شهدت قدرا من «الملاسنات الكلامية» بين الرئيسين.. المنتهية ولايته بيترو بوروشينكو، والجديد زيلينسكى الذى طال انتظاره لاتخاذ البرلمان قرار موعد مراسم تنصيبه، والذى تحدد فى 20 مايو ، بعد ان كانت الغالبية البرلمانية الموالية للرئيس المنتهية ولايته تريده فى 28 مايو بما يحظر على الرئيس الجديد اتخاذ قرار حل البرلمان قبل موعد انتهاء فترته الدستورية بستة أشهر على أقل تقدير. وكان زيلينسكى اقترح يوم الأحد المقبل 19 مايو موعدا لمراسم تنصيبه رغبة من جانبه فى اخراجه «مسرحيا» على أكمل وجه فى يوم العطلة الاسبوعية، لكن الأغلبية البرلمانية رأت عدم الموافقة على هذا الموعد، نظرا لمواكبته لذكرى «يوم الاضطهاد السياسي» ابان العهد السوفيتى السابق، فضلا عن اقتراح تأجيل مراسم التنصيب حتى الثامن والعشرين من مايو الحالي. أما عن احتمالات حل البرلمان، فتبدو واردة من منطلق عدم رغبة الرئيس الجديد فى ضياع ما لا يقل عن خمسة أشهر فى مماحكات وخلافات مع اغلبية برلمانية تدين بالولاء للرئيس المنتهية ولايته، فضلا عن ميله نحو الاستفادة من تصاعد شعبيته. ومن اللافت فى هذا الصدد أن زيلينسكى كان استبق هذه الأحداث بكثير من الملاسنات الكلامية مع سلفه بوروشينكو بسبب مماطلة الأخير فى مغادرة منصبه وتعمده إصداره كثير من القرارات التى تنص على تعيين العديد من أنصاره ومؤيديه فى أهم المناصب المحورية فى أجهزة الدولة ومنها الجيش والقضاء والإعلام . . وذلك ما علق عليه الكسندر دانيليوك المستشار السياسى للرئيس المنتخب زيلينسكى ووزير المالية السابق بقوله إن الرئيس زيلينسكى سوف يعيد النظر فى كل القرارات التى اتخذها بوروشينكو قبل رحيله، مؤكدا عزمه على تطهير القضاء، وفك الارتباط بين ممثلى الأوليجاركيا وأساطين رجال الأعمال، وبين الإعلام والقنوات التليفزيونية التى تعمل فى خدمة أصحاب المال. وأكد دانيليوك أن محاربة الفساد وتطهير القضاء يتصدران جدول أعمال الرئيس المنتخب فلاديمير زيلينسكي، إلى جانب إصلاح المنظومة الأمنية فى أوكرانيا. ومن ناحية أخري، يعرب بعض المراقبين عن بعض التفاؤل الحذر أو المكتوم ، إن جاز هذا القول، تجاه احتمالات تحسن العلاقات بين موسكو، وكييف. فما يقوله الرئيس الجديد يشير ضمنا إلى عدم رغبته فى تصعيد المواجهة مع موسكو ولا سيما فى شقها العسكرى فى منطقة جنوب شرق أوكرانيا. لكنه يقول أيضا إن ذلك لا يعنى الرغبة فى العودة إلى علاقات «الصداقة والشراكة»، التى طالما جمعت روسياوأوكرانيا على مدى عقود، بل ولقرون طويلة. وذلك ما قد يعنى ضمنا أن «الميدان» وهو الأسم الذى صار رمزا للثورة البرتقالية ونقطة الانطلاق نحو الطلاق بعيدا عن «الأسرة السوفيتية»، سيحدد كثيرا من ملامح تطور علاقات «أوكرانيا الجديدة» مع روسيا، فى إطار ما أكده زيلينسكى حول انه يظل متمسكا بتوجهاته الليبرالية والرغبة فى الانضمام إلى كل من الناتو والاتحاد الاوروبي، وهو ما يجمعه مع الكثير من رموز المشهد السياسى فى أوكرانيا ممن يواصلون عداءهم لروسيا وقيادتها السياسية. لكن ذلك لا يعنى الإصرار على القطيعة، حيث ثمة من يقول إنه أكثر انفتاحا عن سلفه، وهو ما اعترف به زيلينسكى فى إطار ما قاله حول ما يجرى فى عروقه من دماء يهودية، وبما تشبع به من ثقافة روسية، إلى جانب ما تساوره من طموحات أوروبية. لكنه عاد ليؤكد فى الوقت نفسه انه لم يعد يجمع البلدين روسياوأوكرانيا، سوى الحدود المشتركة، وإن أشار إلى وجود احتمالات التوصل إلى حلول وسط. وكان زيلينسكى كشف عن ذلك كله فى مفردات منتقاة، تحتمل شتى التأويلات، أوجزها فى قوله :«إن الاوكرانيين صاروا يملكون حرية الكلمة وحرية الصحافة، ومعهما «الشبكة الدولية»، فى إشارة تحمل اكثر من مغزى ومنها ما يتعلق بمكتسبات «الثورات الملونة» و«أسلحة مواقع التواصل الاجتماعي». ونشير فى هذا الصدد الى ما أعلنه زيلينسكى ردا على قرار بوتين حول التعجيل بتسهيل منح الجنسية الروسية لمن يرغب من الأوكرانيين فى الحصول عليها حول أن بلاده يمكن أن تمنح أيضا جنسيتها لأى مواطن روسى يرغب فى ذلك، وهو ما علًق عليه الرئيس بوتين بقوله «ان ذلك قد يزيد من تقارب أبناء الشعبين الذين هم فى حقيقة الأمر أبناء شعب واحد».