في شهر رمضان تحفل المساجد بحلقات تحفيظ وقراءة القرآن الكريم، ويتعهد كثير من الأئمة والخطباء الناشئة، لتعليمهم كتاب الله، وطريقة وآداب التلاوة، كما يقبل المصلون ومرتادو المساجد علي القراءة والتدبر، فيما بين وبعد الصلوات. علماء الدين أكدوا أهمية أن يكون شهر رمضان بداية لكل مرب وأسرة أن يلحقوا أبناءهم بالمساجد للصلاة وقراءة القرآن، وأن يربطوهم بها ويقدموا في سبيل ذلك ما يشاءون لتحفيزهم وترغيبهم، ليس في رمضان فحسب، بل في سائر أيام العام، ولتكن البداية في رمضان.. فالارتباط بالمسجد يسهم بشكل كبير في تربية الناشئة وإصلاحهم، لاسيما أن انفلات الشباب وتمردهم أصبح ظاهرة وشكوي كل أسرة إلا من رحم الله. كما أن المسجد، بالإضافة إلي كونه مكانا للعبادة والذكر، فإنه أيضا موطن للتربية وتهذيب السلوك، وما أجمل أن نربي أبناءنا في بيوت الله ونعلمهم من خلال كتابه العزيز وهدي رسوله الكريم، الجادة والاستقامة والتنشئة الصحيحة. تنشط العقول وتقول الدكتورة أمانى محمود عبد الصمد الباحثة فى الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بالقاهرة: في رمضان قل أن يوجد مسجد أو جمعية خيرية أو مركز لتحفيظ القرآن أو حتى كثير من الأندية الرياضية إلا تقوم بالإعلان عن مثل هذه المسابقات.. وقالت إن إجراء المسابقات الثقافية بصفة عامة مشروع في الجملة وهو من الأمور التي رغَّب فيها الشارع لما فيها من النفع والخير وتنشيط العقول وإذكاء الهمم. وأول من أجرى مسابقة ثقافية هو رسولُنا -صلى الله عليه وسلم فعن ابن عمر - رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنَّ من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم حدِّثوني ما هي؟ قال فوقع الناس في شجر البوادي.. قال عبد الله فوقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة. وقد نُقل عن الإمام الشافعي أنه كان يُلقي المسألة على ابنه أبي عثمان وتلميذه الحُميدي ويقول «مَن أصاب منكم فله دينار». وأضافت أن الشريعة أباحت الرهان في الرمي والمسابقة بالخيل والإبل لما فيها من تشجيع على تعلم الفروسية وإعداد أجيال قوية، ومن باب أولى تشجيع الأطفال وتعويدهم على حفظ القرآن الكريم والتحلي بأخلاقه في شهر رمضان الكريم.. فحفظ القرآن مطلب عظيم ينبغي للمسلم الحرص عليه لأن حفظه كاملا فرض كفاية والاشتغال بتلاوته وحفظه عند توفر الحفاظ من أفضل السنن العينية، لذا فإن تعليم وحفظ القران في المساجد مطلوب، شريطة مراعاة الآداب العامة للمسجد، وألا يؤدي إلي إحداث فوضي أو تشويش علي المصلين. وقال الدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بجامعة الأزهر إن تنظيم مسابقات القران الكريم من الأمور الطيبة التي لها أثر كبير في ربط الأبناء بالمسجد حتي تنتهي المسابقة، وهي بالفعل تؤتي ثمارها وتساعد علي غرس الأخلاق الحميدة في نفوس الأبناء من خلال تعليم صحيح القرآن والسنة. لكن ينبغي أن تكون هذه المسابقات تحت مظلة إشرافية رسمية، من الأوقاف أو الأزهر، يشكل مباشر أو غير مباشر، حتي لا تتسلل إليها بعض الأفكار والمفاهيم الضالة. وأضاف أنه ينبغي عدم قصر حلقات تعليم الأطفال علي قراءة القرآن فقط، وحبذا لو خصصت لهم دروس دعوية تتناسب مع أعمارهم لغرس حب الدين والتسامح في نفوسهم منذ الصغر، أو أن يسبق حلقة التحفيظ درس دعوي يحمل قيمة معينة، مع الاستئناس بقصص القرآن أو استدعاء النماذج المضيئة من التاريخ الإسلامي لتقريب المعني وترسيخ القيمة لدي الأطفال. وأضاف أن لتعليق الأبناء بالمساجد دورا فاعلا في التربية وإصلاح سلوك الأبناء لاسيما إذا تعهدناهم بالارتباط بالمساجد منذ الصغر، فذلك ييسر كثيرا مهمة الأب والمربي، لأن كل من بالمسجد سيكون لابنه موجها ومربيا، ففي المسجد يتعلم الابن دينه، وفي المسجد يختار صحبته، وفي المسجد يلتقي أقرانه، وإليه يأوي حال الضيق والكرب، وفيه يسأل عما أشكل عليه أو اختلف فيه. وعلي الإجمال فإن أطفال المساجد يتشربون حسن الخلق وينشأون علي الطاعة، وإذا نشأ الشاب علي هذا النحو كان ممن يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله فقال النبي صلي الله عليه وسلم:» سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ، وفيه : وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ...) . ونصح الدكتور احمد حسين وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر الطلاب والشباب ومسئولي مراكز الشباب بعدم التركيز علي الدورات الرياضية في رمضان، فمثل هذه الدورات تتسع لها باقي شهور العام أما رمضان فهو شهر العبادة، يأتي في العام مرة واحدة، ولا شك أن بذل الشاب جهدا بدنيا خاصة في حرارة الصيف سيقلل طاقته علي العبادة وقراءة القرآن، وقد لا يستطيع البعض مداومة الصيام فيلجأ إلي الإفطار، رغم عدم وجود ضرورة لذلك. وطالب أولياء الأمور بترغيب أطفالهم علي الالتحاق بالمسابقات ومكافأتهم علي ذلك، بالإضافة إلي تقديم الجهات المنظمة جوائز تشجيعية مادية ومعنوية لجميع المتسابقين والمشاركين في مسابقات المساجد، سواء في مسابقات القرآن أو تلك الخاصة بالثقافة الدينية، فالطفل إن لم يحفظ يكفي أنه يقرأ، المهم أن يرتبط بالمسجد، ويقبل عليه، وحبذا لو تمتد هذه المسابقات إلي ما بعد رمضان وتستمر طوال العام، ففي ذلك حفظ للدين وتشجيع للأطفال على حفظ كتاب الله. وأضاف: لا شك أن رصد جوائز للمشاركين يحفز الهمم، ومن ثم فإنه يجوز تخصيص جزء من مال الصدقات (وليس الزكاة) لجوائز تلك المسابقات, فالتشجيع المادي والمعنوي يعين بلا شك على الاستمرار في طلب العلم وفي حفظ القرآن..وليعلم الباذل للمال في سبيل ذلك أنه مأجور بإذن الله.