يبدو أن برلين باتت مقتنعة أخيرا أن تركيا تقف وراء الأفكار المتشددة الداعية إلي العنف والإرهاب وأن مساجدها التي تنتشر في جميع الولايات الألمانية كانت ومازالت البوابة الرئيسية لدخول الإسلام السياسي إلي المجتمع الألماني الذي أصبح غير آمن في ظل انتشار الخطاب الديني المتشدد الذي يصدر عن أئمة المساجد التي تديرها أنقرةبالمانيا، والتي تستضيف بصفة دائمة قيادات الأخوان المسلمين التي تحتضنهم تركيا. وفي الأونة الأخيرة تزايدت المخاوف الألمانية علي المستويين الرسمي والشعبي..جراء تغلغل هذه المفاهيم القادمة من أنقره التي تنشرها المساجد التابعة للاتحاد التركي «ديتيب» الذي يقع مقرة الرئيسي في مدينة كولونيا ويتبع حزب «العدالة والتنمية» في تركيا حيث يتعمدون بشكل واضح التأثير علي المقيمين واللاجئين ويقومون ببث خطاب سياسي متشدد يدعو إلي كراهية الآخر، فضلا عما يتردد عن ارتباطهم الوثيق بتنظيم الإخوان، الأمر الذي وصفته برلين أخيرا بأنه يمثل خطورة حقيقية علي المجتمع. كانت التقارير الصادرة من الأجهزة الأمنية الألمانية قد طالبت بضرورة وضع جميع المساجد التركية بالمانيا التي يديرها الأتحاد التركي «ديتيب» تحت مراقبتها..وأشارت تلك التقارير إلي انعقاد مؤتمر مريب ومثير للجدل خاص بالإسلام السياسي في مدينة كولونيا شاركت فيه قيادات تنظيم الإخوان الذين تدعمهم أنقرة. هذا المؤتمر كشف لأجهزة الاستخبارات بوضوح عن مدي اصرار الاتحاد التركي الإسلامي والذي ينفذ تعليمات الرئيس رجب طيب أردوغان.. علي توظيف المساجد التابعة له لخدمة السياسة التركية.. مما أثار حفيظة وزير داخلية ولاية بافاريا «يواخيم هيرمان» الذي أدلي بتصريحات صحفية مطالبا بضرورة ان يخضع الاتحاد الإسلامي التركي لرقابة جهاز الاستخبارات الداخلية، مؤكدا أن ما ينذر بالخطر بشكل خاص هو دعوة «ديتيب» لممثلين عن الإخوان وشدد علي أن هذه الجماعة تتبني مواقف لا يمكن التوفيق بينها وبين مقتضيات الدستور الألماني.. لذلك يتعين علي الدولة أن تكون يقظة بهذا الشأن. واتفق معه في الرأي أيضا «ماركوس فيربر» العضو في البرلمان الأوروبي عن الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، مؤكدا قيام الرئيس التركي باستغلال الأشخاص ذوي الأصول التركية في كل أوروبا لدعم نفوذه وحول هذه النقطة تحديدا قال القيادي في حزب الخضر «جيم أوزدمير» أن ندوة كولونيا تظهر أن الرئيس أردوغان »يواصل تمديد ذراعه في أوروبا ويستخدم المساجد والجمعيات التابعة له للتأثير السياسي علي المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا. نشاط المساجد التركية المقامة علي الأراضي الألمانية والتي تخضع في حقيقة الأمر لتعليمات أنقرة جعلت أجهزة الاستخبارات تتوجس خيفة من جميع المساجد بما فيها تلك التي لا تتبع تركيا من قريب أو بعيد مما دفع برئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا أيمن مزيك إلي الإعلان عن رفضة التام للرسالة التي تحاول المساجد التركية نشرها وقال إنه من المؤسف حقًا أن اتحاد «ديتيب» لا يستوعب مؤشرات العصر. وحذر مزيك من الإجراءات الحالية التي تعكف عليها وزارة الشئون الدينية التركية، إذ تعد حاليًا 400 إمام يتحدثون اللغة الألمانية في تركيا يتم تغذيتهم بالتفسيرات المتشددة للإسلام السياسي. وأشار إلي أنه بالنسبة للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا فإنه من الطبيعي أن يكون هناك تفهم من قبل الجالية المسلمة لخصوصية المجتمع الألماني أو المجتمعات الأوروبية بشكل عام، لافتا إلي أن تاريخ الإسلام علي مدي 1400 عام تعايش دائما مع طبائع حضارية مختلفة. ويري الخبراء أن تكرار التحذيرات الأمنية الألمانية بشأن خطورة نشاط تركيا وبالتبعية لجماعة الإخوان من شأنه أن يضيق الخناق علي التنظيم والجمعيات التابعة له خاصة بعد توافر الأدلة التي تثبت وجود تعاون بينهما. مؤكدين أن الدعم الذي تقدمه تركيا للإخوان في منطقة الشرق الأوسط لا يختلف عن الدعم الذي تقدمه لهم في أوروبا. وأشار المراقبون إلي أن التخوفات الألمانية تأتي من أن تلك الجمعيات الخيرية التابعة لتركيا تستخدم كستار للتقرب إلي اللاجئين وغيرهم وتستغلهم في نشر الأفكار المتطرفة..وهذا هو الدافع الأول لتصنيف تلك الجماعات علي قوائم الإرهاب. واعتبروا أيضا أن الجهود الأوروبية في مكافحة الإسلام السياسيي وجماعة الإخوان قد تكون متأخرة بعض الشئ ولكنها بداية لمراجعة العلاقات مع الدول التي تقدم الدعم المادي لها خاصة تركيا وقطر. وأشاروا إلي أن سلطات الأمن الألمانية تعد تنظيم الإخوان خطرا علي الحياة الديمقراطية في ألمانيا. واقع الحال في المانيا يشير إلي أن أجهزة استخبارات ألمانية قد غيرت من سياسة المهادنة التي كانت تتبعها مع المساجد التي تنشر الأفكار المتطرفة وبدأت بالفعل في إعداد تقارير لتحذير حكومة برلين من خطورة هذه المساجد والجمعيات التابعة لتركيا وكان آخر هذه التقارير قد رصد تزايد الإقبال علي المنظمات والمساجد المقربة من الإخوان خاصة في ولاية شمال الراين فيستفاليا. ويذكر أن »ديتيب« الذي يتخذ من مدينة كولونيا مقرا له يخضع لإشراف رئاسة الشئون الدينية التركية في أنقرة وقد تلقت هذه الجمعية أموالا في السنوات الماضية من صناديق مالية مختلفة تابعة للدولة الألمانية علي رأسها صندوق خاص بالدعم في إطار الخدمة التطوعية لدي الجيش الألماني وبرنامج »أن تعيش الديمقراطية« الذي تشرف عليه وزارة شئون الأسرة الألمانية. ومن بين أهداف هذه المشاريع منع التطرف..غير أن الحكومة الاتحادية سبق وأكدت أنها راجعت آلية الدعم المعمول بها و لم توافق منذ عام 2017 علي طلبات جديدة لدعم مشاريع تابعة لديتيب. وحقيقة الأمر أن المانيا تمنح جميع المقيمين علي أراضيها حرية ممارسة شعائرهم الدينية ولم تخضعهم يوما لرقابة أو محاسبة ولكن الأحداث الأخيرة التي شهدتها المانيا من تفجيرات في أسواق الميلاد وغيرها ووصول تقارير عن قيام تركيا بدعم التيارات الدينية المتطرفة. وأخيرا ظهور قيادات جماعة الإخوان الارهابية في أحد المؤتمرات التي تقيمها تركيا في مدينة كولونيا دفع حكومة برلين إلي وضع خط فاصل بين حرية إقامة شعائر الدين الإسلامي وبين الخطاب المتطرف الذي يدعو إلي العنف ورفض الآخر. ولذلك فإنه من المتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة مزيدا من الإجراءات ضد المساجد التابعة لحكومة أنقرة من أجل حماية قيم المجتمع الألماني ومنعا لنشر الأفكار المتطرفة التي تتعارض مع مبادئ دستورهم.