أنا فتاة فى الثلاثين من عمرى, تخرجت منذ تسع سنوات فى كلية عملية ليس لخريجيها نصيب يذكر فى العمل بمصر، وقد نشأت فى قرية كبيرة ومعروفة تحافظ على التقاليد والأخلاق, فأهلى كلهم يتمتعون بسمعة طيبة ومحل ثقة من الجميع, ونحن أسرة متوسطة الحال، وكان والدى رحمه الله موظفا بسيطا, ووالدتى ربة بيت لكنها مثقفة وعلمتنا الكثير, ولى أخ وحيد هو أكبرنا وثلاث أخوات بنات, أختان متزوجتان وأخت أصغر مني، وكلنا تقريبا حاصلون على مؤهلات عليا. وعشنا حياة طبيعية هادئة كأى أسرة متوسطة وصابرة على كل أنواع البلاء، والحمد لله على كل شيء، وكان والدى يتاجر فى أعمال حرة بجانب وظيفته لكى نعيش حياة كريمة, فلم يحرمنا من شيء, وشاء القدر أن يرحل عنا قبل أن يكمل رسالته معنا، وكان يوم رحيله كئيبا, خيّم فيه الحزن على الجميع وبكيناه بحرقة, ونحن لا نكاد نصدق أننا لن نراه إلى الأبد. ورحل أبى تاركا لأمى العظيمة مسئولية كبيرة فتحملت صابرة المهمة الثقيلة باقتدار، وجاهدت كثيرا لتربية خمسة أولاد صغار, أكبرهم فى العشرين وأصغرهم لم يتعد عمرها شهورا، وبنت لنا بيتا وزوجت أختى الكبرى وساعدت شقيقنا لكى يعمل ويتزوج ويصبح بشهادة أهل القرية شابا متفوقا. وما إن أنهيت دراستى الجامعية حتى داهمها المرض اللعين, فبدأ هذا الجبل الراسخ فى الانهيار، ولم تقو على مواجهة آلامها المبرحة, وسلمت روحها إلى بارئها.. وتكرر مشهد رحيل أبى بصورة أشد حزنا, فلقد فارقت روحها الحياة بين ذراعى, وكان إسمى هو آخر ما نطقت به فى الدنيا.. ماتت وهى راضية عني، ولكن لم أكن على مستوى هذه الثقة الغالية وهو ما يجعلنى أموت فى اليوم مائة مرة. فبعد رحيل أمى ومن شدة الصدمة كما قال لى طبيب متخصص أصبت بمرض جلدى فى مناطق متفرقة من جسدي, مما أفقدنى الثقة فى نفسى برغم أنه ليس ملحوظا, حيث أشعر أنه أخذ من جمالى الكثير, وأحس بأن شيئا ما ينقصني. وصدمتى الثانية كانت فى أخى الأكبر الذى تمنيت أن يساندنى معنويا وماديا، لا أنا التى تساعده، وكثرت خلافاته مع زوجته, وحاولت كثيرا تضييق الهوة بينهما، وهكذا فشلت فى أن أجد القدوة, وكثيرا ما صرخت فى أعماق نفسي، أريد من أشكو إليه حالى لا من أشكو منه, ولكن المسافات تباعدت بيننا وانجرفت إلى الآخرين فبدأت أتكلم مع الأقارب ثم مع الأغراب. وأول من فضفضت إليه زوج أختى, وهو قريب لنا, ويحترمه الجميع, ويخاف علينا أكثر من أخي, ويسأل عنا أكثر منه, ونقيم أنا وأختى الصغرى معه, ولا يعاملنا بسوء, ولا يتأذى من وجودنا، ولكن بعد وفاة والدتى بسنتين فوجئت بتصرف غريب منه ناحيتي, حيث كنت أشكو له من أخى وتصرفاته الحمقاء, وأنه قليل الحيلة أمام جبروت زوجته, وانخرطت فى بكاء مرير, فأخذنى فى حضنه وضغط علىّ بقوة استغربت لها فخفت منه وابتعدت عنه, وقلت له بسرعة أريد أن أنام وهرولت إلى الحجرة فجاءنى وحاول تغطيتي, وخرج فقلت فى نفسى إنه مثل أخى الأكبر, ويخاف علىّ, وربما يكون هذا شيئا طبيعيا، وللأسف تكررت محاولاته فى أن يقبلنى عندما أكون بمفردى فأصبت بحالة نفسية سيئة, ولم أخبر أحدا بما يحدث منه, والمدهش أن الكل يثقون به، وكتمت همى فى نفسى, وخفت على أختى من أن يحدث لها مكروه إذا أخبرتها بما يفعله زوجها. لقد فقدت الثقة بالناس، وبالرجال، وبنفسى أيضا، ورحت أبحث فى كل مكان عن وظيفة أشغل بها وقت فراغى الكبير, ولما لم أجد ما أسعى إليه, بدأت فى دراسة دبلومة فى جامعتى. ومرت أحداث كثيرة ولم أجد الزوج المناسب بالرغم من أن الكثيرين تقدموا لى، ويكون الرفض من جانبى أحيانا, ومنهم فى أغلب المرات، وجاء من يطلب يدى والسفر معه إلى خارج مصر فوافقت وجهزت أوراقى أملا فى الهروب لا أكثر، ولكن لخلافات بينه وبين أهلى خلال الاتفاق على تفاصيل المهر والجهاز, لم يكتمل الزواج, وفى السنتين الأخريين تمت خطبتى مرتين ولم يكتب لهما النجاح! وتغيرت شخصيتى إلى الأسوأ، وهربت إلى الإنترنت.. البداية كانت مجرد كلام مع قريب لنا خارج مصر عرفته عند توسطه فى زيجة لم تنجح, واتخذها مدخلا للحديث معي, واعتاد على ذلك برغم أنه متزوج ولديه أطفال, ووجدت سلواى فى الحديث معه, لكنه حذرنى من أن أتكلم معه فى الأوقات التى توجد فيها زوجته فابتعدت عنه. وهنا قررت أن أدخل هذا العالم الإلكترونى من باب الإنترنت الخفى وتحولت إلى شخصية أخري. وأبديت للناس الوجه الآخر، أى صرت بوجهين, وشيئا فشيئا فقدت أشياء جميلة بشخصيتى فى سبيل كلمة حلوة خيالية عن أنوثتي، أو البحث عن حب وهمى لم أعشه أبدا فى حياتى أو بمجرد الفضفضة، وتعرفت على مئات الشباب وكنت أرتبط بعلاقة مع أكثر من شاب فى وقت واحد وأوهمهم جميعا بحبى لهم, لأسمع من كل منهم كلمة أحبك، وعندما كان أحدهم يتركنى ولا يتحدث معى أجهش بالبكاء, وكأنها علاقة حقيقية، وتطور الأمر إلى شات جنسى كتابة وصوتا.. نعم يا سيدى تحولت مشاعرى البريئة إلى صفحات سوداء وهبوط إلى الأسفل. المدهش أن من أكلمهم أصغر منى بسنوات كثيرة, وأحس من داخلى أننى بلهاء, وظل الأمر على هذا النحو إلى أن طلب منى أحدهم أن أقابله وكان يصغرنى بعشر سنوات, فوافقت من باب أنها صداقة عادية, خصوصا أن فارق السن بيننا كبير، وتعددت لقاءاتنا, وبدأت سرقات القبلات تتم على الأيدي, وأنا صامتة، ثمّ أفقت وقطعت صلتى به! لقد أصبحت امرأة لعوبا فى السر, وصار لى أكثر من إيميل وأكثر من موبايل بل وأكثر من شخصية أنا التى كنت أتلعثم فى الكلام!. أفرح بالوعود وأثق فى الناس ومازلت أعيش فى دائرة مغلقة لا أعرف كيف أخرج منها. إن العمر يمر وفرص الزواج تقل والحياة تضيق أمامي.. أنا لا أعرف ماذا أريد, هل هو الابتعاد عن الإنترنت, أم الكذب الذى سيطر على كل تصرفاتى الداخلية والخارجية، ثم كيف أعود إلى شخصيتى الأولي؟.. إننى أسأل الله أن يغفر لى خطاياى, فذنوبى كثيرة, ولكن حيلتى قليلة, ومازال لدىّ أمل فى أن أجد الحل على يديك؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول: ما وصلت إليه هو قمة الهاوية, وإذا لم تعالجى مشكلتك بحكمة وروية سوف تنزلقين إلى منحدر خطير تكون فيه نهايتك, وأمثالك دائما ضحايا التفكك الأسرى, فبعد رحيل أبويك وقسوة الظروف وجدتم أنفسكم فى مواجهة حياة جديدة مع غرباء على حد تعبيرك حيث عشت مع أختك الكبري, ولا أدرى كيف وافق شقيقك على هذا الوضع الذى يؤدى حتما إلى ما لا تحمد عقباه, فلقد امتثل لأوامر زوجته, وتركك وأختك فى مهب الريح, وأصبحت وجها لوجه مع زوج أختك وحدثته نفسه بأنك صيد سهل له, فبدأ فى افتعال الحنان لينال منك بعض ما يريد انتظارا لوقوعك صيدا له. صحيح أنك صددته وابتعدت عنه, لكن النار من الممكن أن تشتعل فى أى لحظة, إذ رحت تفكرين فى علاقات الإنترنت باعتبار أنها على البعد, ولن يعلم أحد عنك شيئا مادمت تستخدمين أكثر من بريد إلكتروني, وأكثر من اسم وشخصية, لكن الحال لم يدم طويلا إذ سرعان ما انجرفت تحت وهم الحب إلى علاقة مع من يصغرك بعشر سنوات, وكانت هذه المرة أيضا حساباتك خاطئة, حيث تبين لك هدفه من قبلات الأيدي. أيتها الفتاة العاقلة, كل ما تفعلينه ستكون نتيجته الندم بعد فوات الأوان، وإذا كنت قد وصلت إلى سن الثلاثين فليس معنى ذلك أن قطار الزواج قد فاتك، فالحقيقة أن الأمل موجود مادام الإنسان على قيد الحياة, ولكل سن جلالها واحترامها, لكن الأهم هو أن تحسمى مسألة الحياة مع زوج أختك, فشقيقك أولى بك وبأخواتك, ويجب أن يحسم أمره فى هذه النقطة مع زوجته, وأن يكون على مستوى المسئولية, ويمكنك أن تستعينى بأقاربك فى إقناعه بخطورة الحياة مع أختك وزوجها, وحتى إن لم يبد من زوجها أى اعتراض على الحياة معهما, وعليك أيضا أن تخاطبى فيه المروءة, والضغط عليه ليضع حدا لتصرفات زوجته وتعنتها معكن. ولتعلم كل أسرة أن التفكك الأسرى هو نقطة البداية نحو قمة الهاوية لبناتها وأبنائها على حد سواء, وليسارع كل أب وكل أم وكل أخ إلى احتواء ذويه, وأن يكون حنونا عليهم, يقترب منهم ويناقش مشكلاتهم, ويؤدى دوره تجاههم. ولينتبه الجميع إلى هذه القضية الخطيرة التى انتشرت فى الآونة الأخيرة مع انتشار الإنترنت الذى اخترق كل البيوت, وتسبب فى رواج الرذيلة بين الكثيرين, خصوصا من عاشوا حياتهم لا يعرفون شيئا عن مثل هذه السلوكيات المدمرة والمنافية لكل تعاليم الأديان والأخلاق. والمسألة تقتضى تكاتفا من الجميع لدرء مخاطر «الإنترنت» وشرح الأبعاد المدمرة لما ينشر عليها, حتى ينشأ الشباب والبنات على قواعد سليمة ولا يخسروا أنفسهم وحياتهم باسم الحب الوهمى!