دفعنى الصراع الذى أعيشه بداخلى إلى أن أفضى إليك بمشكلتى عسى أن أجد لديك حلاً يريحنى، فأنا فتاة عمرى اثنان وعشرون عاماً ومن عائلة كبيرة ومرموقة، ونسكن فى حى راق، ومنذ طفولتى وأنا أسعى إلى أن أكون مثالية فى تصرفاتي, ومتميزة أمام الناس فى كل شيء, فلا يرون منى إلا ما أريد أن أطلعهم عليه، وأحسب أننى نجحت فى ذلك إلى حد كبير فكنت الطالبة المتفوقة التى تحصد أعلى الدرجات, والكل يتحدثون عن تفوقي, وجمالى الذى لم يشغلنى عن دراستي، وملابسى المحتشمة وروحى الوثابة وأخلاقى العالية, ويقولون إننى فتاة مثالية, ويرغبون فى أن تكون بناتهم نسخة مني, بل ويحسدون من سوف أرتبط به إذ لن يرى فى أى عيب من العيوب المتكررة فى الكثيرات مثل الأنانية وحب الذات والانصراف عن ترتيب البيت والاهتمام بالأسرة, كعادة الكثيرات قبل الزواج!. وكبرت وزاد الإعجاب بي, ولكن ظل فى داخلى سر مكتوم لم أبح به لأحد.. سر يؤرقنى, ولا يفارق خيالى حتى وأنا نائمة, وأسأل نفسى كثيرا.. ما الذى يدفعنى إلى ذلك؟ ولماذا لا أكون بنفس الصورة التى يرونى عليها فى الظاهر والباطن معا؟!. أتدرى ما هذا السر؟.. إنه كرهى الشديد لمن أعرفهم, فلا أتمنى لهم الخير, وأبغض كل من آراه فى موقف سعيد أو من التحق بنفس كليتي, أو من أشاروا إليها بأن أخلاقها عالية مثلى على حد تعبيرهم, نعم أكره الجميع لأننى أريد أن أكون الأولى بل قل الوحيدة التى تكتمل فيها كل الصفات وأن ما عدانى ليسوا إلا صورا مشوهة مني. أما إذا وجدت زميلة ترتدى ملابس معينة فإنه لا يغمض لى جفن حتى أشترى أفضل منها, وإذا طلبوا منى إمهالهم بعض الوقت لتدبير ثمن ما أريده, أنزوى فى حجرتى عدة دقائق فيهرولون إلىّ ويحضرون طلبى فى الحال. وزد على هذا الكره أننى قادرة على أن أخفى مشاعرى, فقد أضحك فى وجه شخص ما مع أننى لا أطيقه, وفى أحيان كثيرة أنصح زميلة لى نصيحة خاطئة عن قصد حتى لا تكون أفضل منى, فصرت أعيش بوجهين فى المجتمع. وبينما أنا على هذه الحال تقدم لى شاب على خلق ودين ومثقف يكبرنى ببضع سنوات وهو طبيب فى المستشفى المجاور لمنزلنا, وقد أحببته من كل قلبى ولم أخف عنه أى شىء, حتى هذه الآفة التى لاحقتنى بحت له بها وقلت له أننى أعانى أمرا خطيرا وهو أننى لست بالمثالية التى يتصورها, فإذا به ينفجر من الضحك ولم يكترث لكلامى وظن أن الأمر هزل وأننى كما يشعر بى وليس كما أدعى عن نفسى. ولما أكدت عليه أننى بالفعل أعانى هذه المشكلة التى استفحلت داخلى ولا أجد لها حلا اقترح علىّ أن أزور طبيبا نفسيا, فأنا وهو طبيبان ويجب أن نعرف الطبيب النفسى مثل أى طبيب آخر يعالج أمراضا جسدية.. وبرغم أننى أعلم ذلك جيدا, لم أقتنع بكلامه وقلت له أننى لست مجنونة.. وبمرور الأيام بدأت أرى تغيرا فى طريقة معاملة خطيبى وأخشى أن أفقده كما أننى أرغب فى الخلاص مما أنا فيه، فهل أجد لديك حلا لشخصيتى المزدوجة وأنانيتى التى لا حدود لها؟!
ولكاتبة هذه الرسالة أقول: ألا تدرين أن جانبا كبيرا من الإيمان بالله يتوقف على حب المرء للآخرين، وتمنياته لهم بما يتمناه لنفسه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ وكلما عاش الإنسان فى سلام مع نفسه, ورضاء واقتناع بما قسمه الله له, زادت طمأنينته, وارتاح باله, وأصبحت حياته صافية خالية من الشوائب التى تعكر نفسه. من هنا لا تكفى صورتك لدى الآخرين لكى تصلى إلى هذه المرحلة من النقاء النفسي, إذ ينبغى أن تتطابق مع إحساسك الداخلي, ولو أنك فكرت قليلا لوجدت أن الله أسبغ عليك من نعمه الكثير, فيما يتعلق بدراستك للطب, وجمالك الآخاذ, وروحك الجميلة فى عيون الآخرين, فلماذا تفسدين على نفسك هذه النعم، ولا تشعرين بلذتها لمجرد أنك تبغضين من حولك ولا تريدين أن يصلوا إلى ما وصلت إليه؟. وحتى زميلاتك تكنين لهن هذا الشعور الغريب, فإذا لجأت إليك زميلة طالبة النصيحة بما تتوسمه فيك من صفات حميدة, تغررين بها, وتقنعينها بما ليس فى مصلحتها عن عمد, وهذا مرض نفسى أصبت به دون أن تدري, واستفحل معك بمرور الأيام, فالأنانية تدفعك دون أن تشعرى إلى أن تسلكى هذا السلوك الغريب. وإنى أسألك: من أين اكتسبت هذه الصفة الذميمة؟ هل وجدت أسرتك بهذا السلوك فتأصل فيك وأصبح يلازمك حتى إنك لم تستطيعى الخلاص منه؟ أم أنك وجدت نفسك بوجهين دون أن تشعري؟.. إننى ألمس لديك النية الصادقة فى التصالح مع نفسك ومع من حولك, وأولهم خطيبك الذى يكن لك كل حب وتقدير, فلا تترددى أن تذهبى إلى الطبيب النفسى ولو من باب الفضفضة, لكن أى علاج لن يجدى فى انتشالك من هذا الإحساس سوى إصرارك على الخلاص منه, وبدء صفحة جديدة فى علاقاتك مع الآخرين, صفحة يتماثل فيها ما تظهرينه للناس مع ما تشعرين به داخلك. ولتعلمى أنه ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط, وكونى ممن يجدون سعادتهم فى خدمة المحتاجين, ومساعدة المرضي, والتواصل مع الأهل والأصدقاء, وسوف تتخلصين من هذا الكابوس الجاثم فوق صدرك, وفقك الله.. وسدد خطاك.