لم يعد محمد مصطفي يؤمن بأن في بريطانيا عدالة. مصطفي هو والد الفتاة المصرية مريم، التي توفيت بعد أن اعتدت عليها ست فتيات في وضح النهار بأحد شوارع انجلترا أوائل العام الماضي. وبعد مرور أكثر من عام علي الحادث الأليم، الذي أثار غضبا واسعا في مصر وبين الجالية المسلمة في بريطانيا، انتهت محاكمة الفتيات الست باعترافهن بارتكاب مخالفة «الشجار» مع مريم. ومن المقرر أن تصدر المحكمة أحكامها بالسجن علي الفتيات المدانات في وقت لاحق. أيا تكن الأحكام، فإنها لم تحقق العدالة لمريم، كما قال والدها ل «الأهرام». ففي رد فعله علي نهاية القضية المآساوية، عبر مصطفي عن «الغضب والضيق والإحساس بضياع العدالة». وقال إنه »لن يظل صامتا إزاء سقوط العدالة بهذه الصورة في بريطانيا». مريم في يوم 20 من شهر فبراير 2018، اعتدت ست فتيات بالضرب المبرح علي مريم، طالبة الهندسة البالغة من العمر 18 عاما، أمام الناس في إحدي حافلات النقل العام. وسجلت صور الكاميرات في الشوارع والحافلة تفاصيل الاعتداء، واُدخلت مريم، المسجلة رسميا في قاعدة البيانات لدي هيئة الصحة في بريطانيا بأنها مريضة قلب، المستشفي. غير أن الأطباء أخرجوها بعد ساعات. ويقول الأب إنه كان من المفترض ألا تخرج ابنته من المستشفي، خاصة أنها مريضة قلب مسجلة و«خرجت وهي تعانى آلاما فى الصدر». وبعد فترة قصيرة، نقلت مريم مرة أخري إلي المستشفي، مصابة بسكتة في المخ توفيت علي أثرها في المستشفي يوم 14 من شهر مارس. كان تكييف النيابة العامة للتهمة الموجهة للفتيات المعتديات بأنها «شجار». وهذا ما أثار «الصدمة» لدي أسرة مريم التي انتقلت من إيطاليا للعيش في نوتنجهام، بوسط انجلترا، منذ سنوات. ويرفض الأب هذا التكييف الذي يعتبره «غبيا جدا وغير كاف لما حدث لمريم»، وقال: «هي تهم ضعيفة للغاية، وليست عادلة علي الإطلاق. إن تهمة الشجار لا تعني شيئا»، واتهم الشرطة «بالتقصير في التحقيق في الحادث». ويتساءل: «كيف يمكن تجاهل 37 شاهدا، وفيديوهات الكاميرات في الشوارع والحافلة والتي تؤكد أن الاعتداء لم يكن شجارا، بل حادثا متعمدا». ويضيف: «اثنان من الفتيات الست اعتديتا علي مريم واختها قبل ستة أشهر من الحادث ومع ذلك لا تريد الشرطة أن تعتبر أن الاعتداء الثاني كان مقصودا». ويطالب الأب المكلوم الشرطة «بإعادة النظر في التحقيق والأدلة». ويقول: «لاتعنيني الطرق القانونية التى يمكن للشرطة أن تسلكها لإعادة فتح الملف. ما يعنيني، كأب، هو أن ابنتي ماتت بهذه الطريقة نتيجة اعتداء عليها». كانت الشرطة البريطانية قد أعلنت، قبل بدء المحاكمة، أن تقرير الطب الشرعي لم يقطع بوجود علاقة بين الاعتداء علي مريم وموتها متأثرة بما حدث لها. هذا ما يزيد من غضب الأب. متهما الطب الشرعي، في بريطانيا، وقال: «لا يمكن أن أقتنع بعدم وجود علاقة بين الاعتداء والوفاة، ودعا هيئة الطب الشرعي البريطانية لإعادة فتح القضية حتي لو استدعي الأمر إعادة تشريح الجثة أو ما تبقي منها، وكشف عن أنه أبلغ هذا بوضوح ممثل الشرطة البريطانية الذي كان علي اتصال به لإبلاغه بتطورات التحقيق في قضية ابنته. أدي الحادث إلي ردود فعل غاضبة في مصر وبين الجالية المسلمة في نونتنجهام. وطالبت مصر رسميا بضرورة محاسبة المسئولين عن الاعتداء علي مريم. ويحذر مصطفي من أنه لو أغلق ملف ابنته بهذه النهاية فإن هذا «سوف يشجع مجرمين آخرين علي الاعتداء علي المهاجرين وخاصة المسلمين». وينبه إلي أنه يخشي من أن تكييف مثل هذه الاعتداءات بهذه الطريقة من شأنه «أن يقنع العنصريين في بريطانيا بأنه يمكن الاعتداء بوحشية علي أي مسلم أو مهاجر»، ولهذا يدعو مصطفي النيابة العامة، التي وحدها تملك الحق في إعادة فتح التحقيق لو أرادت، إلى «عدم إغلاق الملف حتي تتحقق العدالة». وانتقد مصطفي بشدة أيضا عدم إبلاغه بجلسة 16 أبريل الحالي التي اعترفت فيها الفتيات الثلاث الأخريات بجريمة الشجار. وقال إن محاميه أبلغه بعد الجلسة باعتراف الفتيات. واعتبر مصطفي أن هذا «لا يعكس احتراما لمشاعر أسرة فقدت ابنته». كانت محكمة في نونتجهام قد أعلنت أمس الأول أن الفتيات الست اعترف بالمشاركة في الاعتداء علي مريم وأقررن بتهمة »الشجار« معها. وكانت ثلاث فتيات قد اعترفن بالجريمة العام الماضي، بينما أقرت الثلاث الاخريات بالذنب يوم 16 من الشهر الحالي. غير أن المحكمة كانت قد فرضت حظرا علي النشر في القضية أمس الأول. وفيما يبدو أنه رد علي غضب الأب، قالت النيابة العامة إنها «عملت عن قرب مع الشرطة للتأكد من إبلاغ السيد مصطفي بالتطورات في كل مراحل هذه العملية»، وأضاف متحدث باسم النيابة في تصريحات صحفية «نشعر بأسف عميق لأن هذا لم يحدث في هذه المناسبة بالذات»، وقال المتحدث «لقد اتصلنا به لتقديم إيضاح كامل». وأضاف «كنا نعد للمحاكمة في هذه القضية. ولم يكن متوقعا أن تقر اثنتان من الفتيات بالذنب وقد أبلغنا الأسرة علي الفور». وكشف المتحدث النقاب عن لقاء جري بين ممثل النيابة ووالد مريم لشرح تهمة الشجار، وأوضح: يمكن للنيابة العامة أن توجه التهمة فقط في حالة توافر معايير محددة تقوم علي الأدلة. لم يترك الأب بابا إلا وطرقه سعيا لتحقيق العدالة ولجأ إلي أليكس نوريس، نائب دائرة نوتنجهام نورث في مجلس العموم. وشكا إليه «تقصير المستشفي». وطلب منه أنه يكتب إلي هيئة الطب الشرعي كي تشرح الموقف وتعيد فتح الملف. يقول مصطفي إن الهيئة »أبلغت النائب بأنها والمستشفي فعلا كل ما يمكن فعله .. وإنه لم يحدث أي خطأ ولا يمكن فتح القضية مرة أخري« .. وعلق مصطفي علي تقرير الطب الشرعي: «ربما لو لم يكن اسم ابنتي هو مريم، أو كانت انجليزية لاختلف الحال».