«ما الذى يمكن أن يكون أكثر خصوصية وسرية من اللحظة التى تكتب فيها بيت شعر، التى تبدأ بها هذه المغامرة المسماة قصيدة»..هكذا يبقى الشعر لغزا مثيرا بالنسبة لشاعرة أوروجواى، إيدا فيتالي، التى توجت أخيرا بجائزة سرفانتيس (نوبل الآداب الإسبانية) لهذا العام وهى فى الخامسة والتسعين من عمرها الذى أمضت نصفه تقريبا فى المنفى بين المكسيكوفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة هربًا من الديكتاتورية فى أوروجواى، قبل أن تعود أخيرا إلى مسقط رأسها من ولاية تكساس الأمريكية إثر وفاة زوجها الذى كان يقوم بالتدريس هناك فى جامعة أوستن. فيتالى شاعرة ومترجمة وكاتبة وأستاذة أكاديمية وناقدة أدبية، وهى العضو الوحيد على قيد الحياة فى حركة «جيل 45» التى كانت ممثلا لتيار الشعر الأساسى إلى جانب ماريو بنديتى ، وخوان كارلوس أونيتى ، وكارلوس ماجى ، وإيدييا فيلاريانو ، خوان رامون خيمينيز، وغيرهم. بدأت علاقة فيتالى بالشعر من خلال الدراسة عبرأعمال التشيلية جابرييلا ميسترال، ولكنها تصف أنطونيو ماتشادو ك «حبها الأدبى الأول» ، وتعتبر خورخى لويس بورخيس أعظم كاتبة على الإطلاق. كان أول أعمالها ديوان «نور هذه الذاكرة» عام 1949. وتوالت مؤلفاتها التى تقترب من الاثنتى عشر مؤلفا تنوعت ما بين الشعر والنثر والترجمة من الإنجليزية والإيطالية والألمانية التى تتقنها. تبدو الشاعرة خارج حسابات العمر فمازالت تتمتع بالحيوية وبروح الشباب فتقول:« الفكاهة ضرورية للبقاء على قيد الحياة . تتيح لى تحمل كل المخاطر»، وقد طغت روح الفكاهة على بعض أعمالها خاصة كتاب «معجم التقارب» الذى أوردت فيه، حسب التسلسل الأبجدي، المفردات الأثيرة لديها، وما تعلّْمته من الشعراء الذين كانت تقرأ لهم. تؤمن صاحبة «البحث عن المستحيل» بأن الشعر يجب أن يكون للجميع ، معربة عن أسفها لأن هذا النوع الأدبى تم نقله إلى الدرجة الأدنى من السلم الثقافي. لذا لم يكن من المستغرب أن يثير فوز فيتالى ب»سرفانتيس» الجدل فى أوروجواى فى ظل إهمال الشعر . فعلى الرغم من أن أهم كتاب أوروجواى هم شعراء أمثال جوليو هيريرا وريسيج ، ديلميرا أجوستينى ، و خوان كارلوس أونيتى فإن الشعر تم تهميشه فى أوروجواى، بشكل منهجى فى الإعلام والمناهج الدراسية للحد الذى دفع الكاتب إدواردو إسبينا انتقاد ذلك بقوله إن «الشعر يتعرض اليوم للاضطهاد أكثر من تجارة المخدرات ! «، مهاجما النقاد الذين يكرسون وقتهم دائما للرواية أكثر من القصائد متجاهلين أن قراءة الشعر بشكل مستمر أمر ضرورى للحفاظ على الخيال، معتبرا أن فوز فيتالى بالجائزة الأكثر شهرة للأدب اللاتينى عن إبداعها الرئيسى بالشعر وليس ما تكتبه من مقالات وترجمات يأتى كمفارقة ساخرة ورد لاذع على هذا التجاهل وسط ما يصفه بخراب ثقافى هائل نتاج أدلجة للمشهد الأدبى والثقافى ، مضيفا « الأمر كما أن تتويج فيتالى بسرفانتيس قد أتى كمزحة من القدر ليلطمنا على وجوهنا علنا نستفيق . فيتالى أثارت الجدل فحتى أولئك الذين لم يبدوا أبدا أى اهتمام بالشعر، أصبحوا يحتفون بها كما لو أن الشاعرة فازت بالنسخة الأمريكية من (أمريكان أيدول) «. أعربت صاحبة «قصر شكسبير» عن تفاجئها بحصولها على جائزة «سرفانتيس» فى هذا العمروترى أنها إذا كانت قد حصلت عليها قبل 10 سنوات فستكون فى «حال أفضل»، كما علّقت على فوزها بها قائلة: «أشعر بحَرَجٍ كبير عندما أفكّر بأولئك الذين يستحقّون الجائزة أكثر مني». حصلت فيتالى على العديد من الجوائز ، من بينها جائزة أوكتافيو باز ، المكسيك (2009) ، جائزة ألفونسو ريس ، المكسيك (2014) ، جائزة رينا صوفيا ، إسبانيا (2015) ، جائزة فيديريكو جارسيا لوركا الدولية للشعر ، إسبانيا (2016) ) ، جائزة ماكس جاكوب ، فرنسا (2017) ، جائزة معرض جوادالاخارا الدولى للكتاب ، المكسيك (2018) ثم توجت أخيرا بجائزة »سرفانتيس» التى تمنح عن مجموع الأعمال الإبداعية التى تميز بها كاتب مّا من العالم الناطق باللغة الاسبانية . تعد إيدا فيتالى خامس امرأة تفوز بها بعد الشاعرة الإسبانية المعروفة ماريا ثامبرانو 1988، والشاعرة الكوبية ودولسى ماريا لويناس 1992، والكاتبة الإسبانية كذلك أنا ماريا ماتوتى عام 2010، والشاعرة والروائية المكسيكية إلينا بونياتوسكا عام 2013.