مايحدث الآن فى الجزائر والسودان وما حدث من قبل فى تونس ومصر واليمن يؤكد ان الشعوب العربية تتطلع الى الديمقراطية وأنها فى الطريق الى التحول الديمقراطى كما نجحت فى ذلك شعوب اخرى عديدة، وقد شهد لها العالم بذلك وابدى اعجابه بقدرتها على التحرك السلمى وأشاد بشبابها وقدرته على الحشد والتعبئة بل تسمية الميادين فى العديد من الدول المتقدمة باسم ميدان التحرير دليل على اعجابه بهذه التجربة.وتؤكد الثورات الشعبية العربية فى السنوات العشر الاخيرة، وبعضها كان له خبرات فى ذلك على امتداد القرن العشرين، كذب الافتراءات التى رددتها دوائر غربية ان الشعوب العربية غير قابلة للديمقراطية، وليس ببعيد ان تلتحق شعوب عربية اخرى بمسيرة الديمقراطية بعد ان تتعافى مما الحقته بها الهيمنة الاجنبية، مما ادخلها فى حروب اهلية لولاها لكانت هذه الشعوب الآن جزءا من المسيرة الديمقراطية. هناك حقائق علمية من المهم ان تتضح لنا فى هذه المرحلة من تطور الامة العربية، لأن هذه الحقائق سوف تدعم ثقة الشعوب العربية وطلائعها فى ان الديمقراطية آتية لها لا محالة، فقد توافرت لها بالفعل المقومات التى توافرت من قبل لكثير من الشعوب التى نجحت فى بناء نظم ديمقراطية. فقد كانت اول موجة للتحول الديمقراطى فى تاريخ البشرية فى غرب اوروبا والولايات المتحدة«انجلترا - فرنسا» عندما نجحت فى بناء نظام اقتصادى رأسمالى متطور وبناء مجتمع مدنى قادر على الضغط من اجل المحافظة على مصالح مختلف فئات الشعب من العمال والفلاحين والطبقة الوسطى وقبل ذلك كله الرأسماليون «نقابات عمالية - نقابات مهنية - جمعيات رجال اعمال - جمعيات ثقافية - اتحادات طلابية - الخ»، كما نجحت فى بناء نظام اعلامى متطور يعبر عن آراء هذه الفئات والمنظمات، وقد جاء هذا التطور نتيجة ما احدثه النظام الرأسمالى من انقسام طبقى بين القوى المالكة والقوى العاملة بأجر والاختلاف الكبير فى مصالح كل منهما وانعكاس ذلك على الصراع الطبقى الذى هدد مصالح الرأسماليين نتيجة نمو قوة الطبقة العاملة وحلفائها وتنظيماتها وقدرتهم على الضغط على القوى الرأسمالية التى ادركت ان مصالحها فى خطر ما لم تتخل عن احتكار السلطة وتقبل بالتعددية الحزبية لهذه الفئات والتداول السلمى للسلطة بوسائل سلمية هى الانتخابات فحافظت بذلك على مصالحها للمدى البعيد مقابل استقرار حقوق باقى الفئات فى تداول السلطة، وهكذا نضجت مقومات التحول الديمقراطى فى هذه البلاد من خلال نظام سياسى يقوم فى جوهره على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة وهو ما نسميه الديمقراطية البورجوازية التى نضجت اولا فى غرب اوروبا والولايات المتحدة وانتقلت بعد ذلك الى مناطق مختلفة توافرت فيها هذه المقومات بعد نجاحها فى بناء هذه النظم الرأسمالية وما احتوته من عناصر اشرنا اليها، فقد كانت الموجة الثانية فى اسبانيا والبرتغال بانتهاء حكم الجنرال فرانكو وسالازار، وجاءت الموجة الثالثة عندما تفكك الاتحاد السوفيتى واستقلت الدول المكونة له وتبنت النظام الرأسمالى «روسيا - شرق اوروبا - وسط آسيا» وكانت جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى حققها الاتحاد السوفيتى هى التى اوصلت هذه الدول الى التقدم الاقتصادى والاجتماعى الذى وفر لها مقومات التحول الديمقراطى السريع بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. أما الموجة الرابعة فقد تحققت فى جنوب شرق آسيا مع ظاهرة الفهود الآسيوية التى نجحت فى تحقيق تنمية اقتصادية سريعة وما اعقبها من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية، يبرز فى هذه المنطقة ماليزيا واندونيسيا وسنغافورة وتايلاند وغيرها. من هذا العرض لمسيرة الشعوب نحو الديمقراطية نصل الى الشعوب العربية التى تمر الآن بمرحلة التحول الديمقراطى بما حققته من تقدم فى اقتصادياتها وما نتج عنه من انقسام طبقى ما بين الرأسماليين وحلفائهم من ملاك الاراضى الزراعية والعقارات والتجار وبين الطبقة الوسطى والعمال والفلاحين وسائر الاجراء والمهمشين وما ترتب عليه من إقامة أحزاب متعددة ونقابات عمالية ونقابات مهنية وجمعيات اهلية وغرف تجارية وغيرها وما تشهده كل المجتمعات العربية من صراعات نتيجة لهذا الانقسام الطبقى وما أفرزه من تنظيمات تدافع عن مصالح مختلف فئات المجتمع. ويكفى ان الحراك الشعبى الآن فى السودان يقوده تحالف الحرية والتغيير وفى القلب منه النقابات المهنية وهناك وضع مشابه فى الجزائر ايضا. الدول العربية مهيأة بالفعل لإقامة نظم سياسية ديمقراطية و تقترب من تحقيق هذا الهدف كما نجحت فى بناء اقتصاديات متطورة ومؤسسات سياسية واجتماعية تعكس الاوضاع الطبقية فى المجتمع. وختاما فان هذا العرض الذى يتناول النضال الديمقراطى من خلال نموذج الديمقراطية البرجوازية لا يعنى اننا ازاء نهاية التاريخ كما زعم فوكوياما بل هناك امكانية حقيقية لتجاوز النظام الرأسمالى وديمقراطيته البرجوازية القائمة الآن الى نظام ارقى وأكثر عدلا وكفاءة... نظام اشتراكى ديمقراطى لم تتضح معالمه بعد. لمزيد من مقالات عبد الغفار شكر