فى تاريخ الأمم هناك لحظات ودقائق يكون لها من الآثار القريبة والبعيدة ما يعتبر بحق نقطة تحول فى أحداث هذا التاريخ، ومن ثم يمكن الزعم أن يوم الخامس والعشرين من شهر أبريل فى كل عام يشكل للمصريين مناسبة وطنية مبهجة عندما تستدعى ذاكرتهم نصرا مؤزرا بتمام انسحاب إسرائيل من كل سيناء منذ احتلالها فى الخامس من يونيو 1967 بعد ملحمة نضالية سطرت فى التاريخ بأحرف من نور، وذلك على عدة مراحل بدأت بمرحلة «الصمود» من يونيو 1967 إلى أغسطس 1968، وتلتها مرحلة «الدفاع النشيط» من سبتمبر 1968 إلى فبراير1969، أعقبتها مرحلة «الاستنزاف» التى تعتبر بكل المقاييس حربا قائمة بذاتها من مارس 1969 وحتى الثامن من أغسطس 1970 عندما تم الاتفاق على وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل لمدة 90 يوما والتى سطرها التاريخ، فقد شكلت هذه المرحلة، المقدمة الطبيعية لما تلاها من أحداث أدت فى النهاية إلى ما حدث فى زلزال يوم 6 أكتوبر 1973، هادمة بذلك نظريات عسكرية عتيدة ومستحدثة لنظريات واستراتيجيات جديدة تدرس فى جميع الكليات العسكرية على اتساع العالم حتى الآن، نظرا لآن كل مرحلة من المراحل السابقة اتسمت بخصائص نوعية طبقا لطبيعتها، لعل أبرزها معركة «رأس العش» الشهيرة فى الأول من يوليو 1967 أى بعد أقل من أسبوعين على الهزيمة، والتى تلتها معركة 15،14 من نفس الشهر عندما توغلت قواتنا الجوية داخل سيناء لأول مرة بعد حرب 1967 حيث ألحقت خسائر موجعة بأفراد وأسلحة ومعدات الجيش الإسرائيلى، حتى اهتزت الدنيا لنبأ إغراق بحريتنا المدمرة الإسرائيلية «ايلات» يوم 21 أكتوبر 1967 ليبدا بعدها زئير المدفعية المصرية فيما سمى وقتذاك «معركة المدافع»، والتى ظلت مشتعلة حتى اقتحمت قواتنا قناة السويس يوم السادس من أكتوبر عام 1973. ولعلنا لا ننسى فى خضم تتابع الأحداث ذكرى استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المصرية المسلحة بين جنوده، وهو يتفقد الخطوط الأمامية لجبهة القتال يوم 9 مارس 1969والذى اعتبر «يوم الشهيد»، فكان نموذجا فذا للكبرياء القومى والوطنية عبرت عنه وكالة «يونايتد برس» الأمريكية بقولها: «إن عبدالمنعم رياض ختم حياته على العهد به رجلا مخلصا لجنديته فى الخطوط الأمامية لجبهة القتال بعد أن شارك فى عمل شبه مستحيل لإعادة بناء القوات المسلحة المصرية». أننى على يقين تام بأن شعب مصر الصابر الصامد الذى خرج يومى 10،9 يونيو عام 1967 رافضا الهزيمة، ومرددا: «حنحارب.. حنحارب»، وشد الأحزمة على البطون على مدى سبع سنوات متصلة، يعلم يقينا أنه يخوض حربا تستهدف حاضره ومستقبله ضد إرهاب بغيض سوف ينتصر عليه حتما بحكم الأمر الواقع ودروس التاريخ التى لها وظيفة حضارية تتحرك من المستقبل، وليس من الماضى الذى هو فى حقيقته مستقبل فات. اللواء / د. إبراهيم شكيب