غيب الموت الأحد الماضي، الشاعر والناقد والمترجم الكبير بشير السباعي، عن عمر يناهز (75 عاما) بعد صراع مع المرض، مخلفا وراءه إرثا ثريا في الآداب والترجمة حيث نقل السباعي عن الروسية والإنجليزية والفرنسية نحو سبعين عملا إبداعيا وفكريا. حصل السباعى على درجة الليسانس من كلية الآداب جامعة القاهرة، قسم الدراسات الفلسفية والنفسية عام 1966، وفاز بجائزة أفضل الملمين باللغة الروسية وآدابها من المركز الثقافي السوفيتي بالقاهرة عام 1971، وجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1996، عن أفضل ترجمة عربية عام 1995، كما توج بجائزة مؤسسة البحر المتوسط للكِتاب عام 2007، وحصل على جائزة رفاعة الطهطاوي من المركز القومي للترجمة عام2010 وأخيرا جائزة كافافي الدولية للترجمة عام 2011. اتسمت أعمال صاحب مدونة «مبدأ الأمل» بالموسوعية , وتمحورت اهتمامات السباعى بين الفن والأدب والسياسة فكان إنتاجه بمنزلة جسر عابر بين الثقافات والحضارات الإنسانية؛ وبقدر اهتمامه بترجمة الأعمال النقدية والتأريخية لحركة الفنون والأدب، بقدر اهتمامه أيضا بالفلسفة والنظريات السياسية حيث جاءت ترجماته معبرة عن انحيازاته الفكرية. فكان له دور مهم في التعريف بالحركة السوريالية المصرية، ليس فقط من خلال ترجمة أعمال جويس منصور وجورج حنين وإنما بالكتابة عن الحركة نفسها، ولكونه كان محسوبا على اليسار ورافضا الفاشية والعنصرية بكل صورهما فقد اهتم بتقديم تعريفات خاصة لهما وتتبع اليسار فى روسيا الاتحادية وأمريكا ، بالإضافة إلى اهتمامه كعربي بقضايا العروبة والقومية وفى القلب منها قضية فلسطين لذا ترجم الكتاب الموسوعي «مسألة فلسطين» للمؤرخ الفرنسي هنري لورانس، وكذلك كتاب «التنوير والقومية.. تطور الفكرالاجتماعي العربي الحديث» للكاتب ز. أ. ليڤين، وكتاب «العربُ والمحرقةُ النازية، حربُ المرويّات العربيةُ الإسرائيليةُ» لجلبير الأشقر. وبسبب موسوعية ترجماته فيما يتعلق بقضية فلسطين تورط السباعى فى معركة مع باحثى الإسرائيليات فى مصر عندما هاجم الكاتب عبد الوهاب المسيرى متهما إياه بسرقة محتوى موسوعته الشهيرة «اليهود واليهودية والصهيونية» عن الموسوعة البريطانية وموسوعات أخرى متخصصة في الشأن اليهودي والفلسطيني، منتقدا المسيرى والمشاركين معه من الباحثين لعدم الإشارة إلى ذلك في تقديمهم للموسوعة، وهو الأمر الذى اعتبر وقتها بمنزلة اتهام ضمنى لمجمل أعمال المسيري الفكرية المرتكزة على الموسوعة مما آثار ردود أفعال واسعة، بين مؤيد ومعارض، في وسط باحثي الإسرائيليات في مصر. عرف عن صاحب «فوق الأرصفة المنسية» أيضا دفاعه عن حركة الثقافة المستقلة ودعمه أنشطتها مثل دعمه مجلتى «الكتابة السوداء» و«إضاءة». كما دعم مجلة «الكتابة الأخرى» التي أصدرها الشاعر هشام قشطة في بداية التسعينيات من القرن الماضي بمشاركة أقرانه من شعراء جيل الثمانينيات، وهي المجلة التي قدمت جيلين على الأقل من الشعراء والروائيين والباحثين. حضرت مصر بقوة أيضا فى أعماله ، فترجم المؤلفات الخاصة بحركاتها الوطنية وتاريخها الاجتماعي والقومي، مثل ترجمته لكتب: «استعمار مصر»، وكتاب «مصر في الخطاب الأمريكي»، وكتاب «الحملة الفرنسية في مصر» ، وكتاب «ازدهار وانهيار حاضرة مصرية: قوص»، وغيرها. وكان كتاب «أغنية الغريب أصوات فرنكفونية مصرية»، والذي تضمن نصوصًا شعرية ونثرية لأحمد راسم وإدمون جابيس وقصائد لفولاذ يكن وألبير قصيري هو آخر ترجمات السباعى الذى لم يمهله القدرلاستكمال ترجمة الجزء الثاني من كتاب «الأزمات الشرقية» للمؤرخ الفرنسي هنري لورَنس، الذى صدر فى باريس في مارس 2019، وترجم الجزء الأول منه إلى جانب الأصل الفرنسي. بالإضافة إلى ترجماته الغزيرة فقد صدر له ديوانا «مرايا الانتلجنتسيا» عام 1995، و«فوق الأرصفة المنسية» عام 2012.