يزداد الخير وتكثر البركة فى شهر شعبان حسًّا ومعني؛ فهو شهر النبى صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يترقب زمانه وينتظره ويدقق فى دخوله، كما ورد عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها قالت: كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبانَ ما لا يتحفَّظ مِن غيرهِ.(سنن أبى داود/ 2325). كما ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان كثيرًا ما يرجو ربه المولى القدير فى البقاء فى هذه الأزمان الفاضلة خاصة إذا دخل عليه شهر رجب فكان يقول: «اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان -أي: فى طاعتنا وعبادتنا، وبلِّغنا رمضان - أي: إدراكه بتمامه، والتوفيق لصيامه وقيامه» (المعجم الأوسط للطبراني/ 3939). ثم كان من شأنه صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليه شهر شعبان الاحتفاء بأوقاته الفاضلة بمزيد من العبودية واستقبال التجليات الإلهية، خاصة الإكثار من الصيام لما له من خصوصية كبيرة على سائر العبادات؛ فعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها؛ أنها قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته فى شهر أكثر منه صياما فى شعبان» (صحيح مسلم/ 1156)، والحكمة من ذلك كشف صلى الله عليه وسلم عنها فى جوابه عن سؤال أسامة بن زيد رضى الله عنهما حيث قال صلى الله عليه وسلم: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين» (مسند الإمام أحمد/ 21753). ويزداد هذا الفضل فى ليلة النصف منه ويومها عن سائر أيامه ولياليه، وهى ليلة المسامحة وعموم الرحمة التى يتجلى الله تعالى فيها على عباده بتضعيف ثواب الأعمال الصالحات واستجابة الدعوات وقبول التوبة ونشر الرحمة ووفرة البركة وسعة المغفرة على مدي زمانها؛ كما فى قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر لى فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا، حتى يطلع الفجر» (سنن ابن ماجه/ 1388). وقد وردت فضائل هذه الليلة فى الأحاديث النبوية الشريفة من رواية نحو ثلاثة عشر صحابيًّا، منها ما رواه عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا لاثنين: مشاحن، وقاتل نفس» (مسند الإمام أحمد/ 6642)، ومجموع هذه الأحاديث تؤكد مشروعية إحياء ليلة النصف من شعبان بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار وسائر الأعمال الصالحة؛ مع ضرورة تخلى المسلم عن أى مانع يُؤدِّى إلى حرمانه من ثوابها ونفحاتها الربانية حيث تستوجب تخليص القلب وتصفية العلاقات من الخصام والأحقاد التى تكون عادة بين المتخاصمين خاصة بين الجيران والأهل والأرحام، وكذلك نبذ الكراهية والعنف سواء اللفظى أو العملي. وهذا الاهتمام الشرعى بشهر شعبان مناسب لكونه ميقاتًا سنويًّا لحصاد أعمال العباد ورفعها . وتقدير أعمارهم وأرزاقهم، كما اختصه الله تعالى بتشريع كثير من الأحكام الشرعية كصيام رمضان وتحويل القِبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، وبثَّ فى زمانه المبارك جزيل العطاء وعظيم الأجر. وتتضمن هذه المعانى بيانًا نبويًّا عمليًّا لا بد أن يكون نقطة انطلاق للأمة المحمدية أفرادًا ومجتمعات من خلال تعظيم الاستفادة من هذه المناسبات الدينية فى صياغة شخصية المسلم وسلوكه، حيث ترويض نفسه بالقيم الحميدة وتحلية فطرته بالفضائل والمحاسن، وترسيخ مظاهر علو الهمة واغتنام أوقات الخير والفرص المتاحة وسمات الجد والاجتهاد فى العمل الصالح، وترك المظاهر السلبية من الخصام والنزاع والكسل والخمول والإسراف فى الأمنيات دون الأخذ بأسباب تحقيقها، من أجل صيرورته لأن يكون مع صاحب الخلق العظيم. لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية