كان لزاما علىَّ أن أتملص من النوم فى السابعة صباحا وافض اشتباك فتاتهِ برموشى بينما يحاصر أبى بعضَ أحلامهِ فى زاويةِ الفراش كانت أمى تعالجُ سعالها فى رفقٍ شديد لكنّه ما يلبث أن يعلن عصيانه الكبير بزمجرةٍ كصوت المحرك القديم. أحمل سنواتى العشر فى صباحات يناير وأسير بها فى طرقات القرية التى تنفض عنها غبار الليل بنقرات ديكٍ صبى على ظهر دجاجاتهِ المارقة ونقيق ضفدعٍ مغترب يقفز على حشائش جدولٍ بعيد. مفاتيح الدكان الشاردة تقفز من جيبى إلى يدى وأنا افتح الباب الخشبى الكالح واقفز بصعوبة فوق رخامة البنك الخشبى، لولا هذا المذياع العتيق لركلت صباحات يناير بكلتا قدمى. الشمس الخجلى تمد ضفائرها الدفيئة وترسم على الجدران المنكمشة لوحات كرسومى الملونة فى حصة الرسم يأتى الونس الصافى والبهجة الراقصة من صوت «أبلة فضيلة» التى تحضن الجدران الطينية والأدراج الحاملة للبضاعة الرخيصة «حبايبى الحلوين» يترقرق الصوت البهى وتتماهى الجدران فى اللحن الشجى يتسرب اللحن عابرا رخامة البنك الباردة يعبر عتبة الدكان فارشا ظلالا كريمة تبتسم له معزة عابرة ويهز له كلب ذيله وينصت للأغنية. سور المدرسة المجاورة بوقارٍ مهبب. لم يعكر صفو المشهد غير صفعة جادت بها يد ابى على وجهى بينما يحاصرنى صوته الأجش: لماذا لم تكنس قدام الدكان يا ابن..؟!.