مشكلة حقوق الإنسان أنها قابلة دائما للتسييس، وتطيع دائما من يحاول الخروج بها عن مسارها الطبيعى الذى وجدت من أجله، ومن ثم فهى أداة فاعلة فى العلاقات الدولية المعاصرة، ولها أدواتها المحددة، وطرق تطويعها معروفة للجميع، دون أن تفقد سطوتها.! ولا شك فى أن المشروطية السياسية التى تتبعها العديد من الدول فى صياغة علاقاتها الدولية، لا تخرج عن هذا السياق بأى حال من الأحوال. فهى دائما مشروطية تهدف إلى تحقيق أغراض ومصالح سياسية للدولة التى تستخدمها، وليست بغرض التمسك بمبادئ أممية، أو غير ذلك من صيغ قابلة دائما للتفجير أمام وسائل الإعلام بشتى أنواعها.! ولا تملك مصر إلا أن تجتهد فى التعامل مع هذا الملف، بكل ما يحويه من تناقضات، وسُبل ملتوية، وبوعى حقيقى نتمكن معه من القفز فوق محاولات توريط الدولة المصرية، أو الإيقاع بها فى شرك الاصطدام بالمجتمع الدولي، بجميع مكوناته. على هذه الخلفية، أتحدث، عن فاعليات الدورة رقم (40) التى عقدها مجلس حقوق الإنسان فى مقر الأممالمتحدة بجنيف فى الفترة من 25 فبراير إلى 22 مارس 2019، وقد تناولت العديد من الموضوعات والملفات ذات الصلة بأوضاع حقوق الإنسان فى مناطق عديدة من العالم. وهى مناسبة سنوية تُعلى من شأن حقوق الإنسان، وتًعظم من دور منظمات المجتمع المدنى فى عملية حفظها وصيانتها، فى مواجهة تمثيل رسمى متميز يعكس ارتفاع مستوى الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان. وفيما يتعلق بمصر، عقدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، الثلاثاء الموافق الخامس من مارس 2019، ندوة بعنوان: حرية الاعتقاد: الطوائف المسيحية فى الشرق، وكان ذلك بالتزامن مع استعراض المجلس تقرير مقرر الأممالمتحدة الخاص بحرية الاعتقاد. وكانت المنظمة المصرية حريصة على توضيح عدة أمور على نحو دقيق، يمكن إيجازها فيما يلي: -وجود تأثير كبير للإرهاب والتطرف على حرية الاعتقاد فى المنطقة. ونموذج الجماعة الإرهابية الشديد الوضوح فى هذا الشأن، خاصة وقد دمروا أكثر من 60 كنيسة. -الدولة تبذل جهودا جبارة فى نبذ التطرف والحث على تجديد الخطاب الديني. المجتمع المدنى فى مصر ينهض بدور حقيقى فى تحقيق إستراتيجية الدولة لمكافحة الإرهاب، والحد من تأثيراته السلبية. -تأكيد الثقافة المجتمعية الراسخة للشعب المصري، التى تدعم عدم التمييز بين الناس على أساس ديني، وأى أحداث فى هذا الشأن لا تمثل وجهة نظر مجتمعية، قدر ما تمثل أصحابها وأفكارهم الفردية التى لا تلقى سندا من الدين الإسلامى أو المسيحى على السواء، وتواجه من الدولة بكل حسم. -ترسيخ مبدأ المواطنة كفيل بمجابهة أى فكر يدعو إلى التمييز بين الناس على أساس ديني. وقد ارتكز الدستور المصرى الأخير، 2014، على هذا المفهوم وأكد ضرورة احترامه كمنهج عام ومُلزم للجميع، سواء للمؤسسات الرسمية، أو منظمات المجتمع المدني، أو المواطنين، على اختلاف انتماءاتهم. ومن خلال مشاركاتى المتعددة فى العديد من المحافل الدولية، أرصد بكل ارتياح، ارتفاع مستوى مصداقية الدولة المصرية داخل المجتمع الدولي. ولست أشك فى الإسهام الكبير فى هذا الشأن للخطاب الواعى والحكيم الذى يتبعه الرئيس السيسى وهو يخاطب العالم. وهو خطاب، لطالما استمعت إليه شخصيات كبيرة ذات تأثير فى المجتمع الدولي، تجد فيه ثقافة عالية بحقوق الإنسان، وإدراكاً حقيقيا بأهميتها فى العلاقات الدولية المعاصرة. فلتتقدم مصر وتدرك أى أرض اكتسبتها على الساحة الدولية. لمزيد من مقالات ◀ عصام شيحة