غادرنا منذ أيام الصحفى محمود معوض، بعد رحلة عشق لوصف الرئيس السادات له بأنه: الواد بتاع الأهرام، اعتبر الوصف شهادة دكتوراه مع مرتبة الشرف الرفيع واستهوته حالة التمرد، أحب صفة تلميذ تعلم من أخبار الخازوق.. جسدت حياته المهنية شعار الحقيقة لا تقبل النقصان, عاش صحفى الناس ومات منذ عجز عن توصيل الحقيقة.. فآثر أن يرحل دون أن يمنحنا شرف المشى فى جنازته!. بدأت خدمته عام 1969 ظل فى حالة غرام بالاستقلالية والنزاهة حتى نهاية المشوار، عناوين حياته الشخصية نارية جاذبة للقراءة، صرامة ابنته الدكتورة فاطمة أستاذة الجامعة جعلتها فتاة أحلام كل طلابها، وصرامة والدها وشغفه باللغة العربية جعله فى اشتباك دائم للوصول بالجملة الصحفية الساخنة لمستحقيها، فاستحق لقب شيخ طريقة الصحافة البرلمانية المستغنية عن السلطان!. عن الأساتذة حدثنى: هيكل رقم واحد.. وممدوح طه ثلاثة.. كان يحاسبه إذا عرض خبرا لا يصلح ويحاسبه إذا لم يعرض، المعيار الوحيد للنجاة فى اجتماع الحساب جودة الشغل!. تعلم محمود معوض أسرار مشروعات القوانين بمشهد لا تنساه عين فيلسوف, هيكل سأل: فين إبراهيم؟ تسابق أربعة من الكبار جريا فى كل اتجاه، بعد 3 دقائق دخل إبراهيم نافع بدون جاكيت، قال الأستاذ:الرئيس عبدالناصر أحال 13 تشريعا لمجلس الوزراء، هاتهم من تحت الأرض، والتفت إلى فهمى هويدى وكان أصغر النابهين فى الديسك: تكتب منهم المانشيت يا فهمى، وبعد ساعة وثلث عاد نافع ب13 ملفا تحت إبطيه، وداعب فهمى: تفضل يا حلال العقد، فى اجتماع الساعة12 اليوم التالى قال هيكل: كلمنى الرئيس عبد الناصرأنه طلب من لجنة الصياغة أن يتعلموا صياغة القوانين من الأهرام، كشفت فلسفة التشريع للناس يا فهمى بلا غموض!. وتعلم سلطة المنطق من عبد الحميد سرايا صاحب السلطة الوحيد لتغيير جمل هيكل وعناوين بصراحة رفض نشر خبرعلى أمين, الذى تولى رئاسة التحرير بعد الأستاذ, لأن: الأهرام لا ينشر صورة ساخنة لممثلة لمجرد أنها أمريكية زارت مصر!. كما تعلم معوض سلطة الخبرة من سعيد فريد فى الصناعة، والملاخ فى الثقافة وحمدى فؤاد فى الدبلوماسية ومحمود عبد العزيز فى المحافظات، وحين ذكرته بالطيب حسن سلومة فى الزراعة, ابتلع نفسا عميقا من سيجارته وشهق احتراما للمعجزة وقال: كان يكتب 50 خبرا كل يوم فيختار منهم صلاح منتصر ورقة واحدة، ويخوزق الباقي، وفى نهاية الطبعة أتسلل لقراءة أخبار الخازوق وأتعلم فلسفة المنع وأصول جاذبية الكتابة..وحين مات حسن سلومة ترك لأولاده 15 مانشيتا أوصى بها لرئيس التحرير!. بعد سبع سنوات شداد فى المطبخ المحلى، حصل محمود معوض على فرصته بقرار يوسف السباعى، تعلم العنوان الطلقة: دموع أمينة رزق والهجرة إلى دندرة، وهاجر للقسم السياسى برئاسة سامى متولى، بدأ بحوار مع مصطفى خليل، كتب فيه نبوءة: أمين عام الاتحاد الاشتراكى مكلف بتصفية الاتحاد الاشتراكى، فهمس متولى فى أذنه: يا محمود نحن نعمل صحافة لا سياسة، لا تنزلق وراء وهم الحرية، شعر يومها أنه يتسند على جدار يحميه من غواية التمرد..وحين تولى رئاسة القسم بعد القديرين فؤاد سعد وعبد الجواد على، طمع فى باب للبرلمان فجعله إبراهيم نافع صفحتين! انتزعتا إعجاب عملاق اسمه مصطفى أمين، كلمه مرات فرحا..ومنحه جائزته لأنه يمشى على الأشواك فى صحيفة قومية! للتاريخ..معركة إسقاط القانون 93 لسنة 1995، بدأها محمود معوض عام 1980، شم ريحة استبداد من مشروع قانون العيب خرج فى تكتم من مكتب السادات بالختم الأزرق إلى حافظ بدوى رئيس مجلس الشعب، التقطه من سرداب سرى إلى الحزب الوطنى، انفرد الأهرام بنشر القانون مادة.. مادة هاجت جبهة الرفض فى لندن واشتعلت المظاهرات وسط البلد واعتصم المحامون والصحفيون وهربت الحكومة باتهام الأهرام بالإثارة، كان الضوء الأخضر للتراجع عن العيب وصف الرئيس السادات معوض بالواد بتاع الأهرام نشر مسودة مضروبة.. وصدر قرار سيادى بتدويرالقانون ودفن المواد التى تسبب الصداع وتحمل شبهة العودة إلى الطوارئ والعزل والحبس لحماية القيم من العيب!. ورد معوض بمزيد من التخبيط فى «الرءوس التى حان قطافها»، وفى كل مرة يشرد فيها معوض يجذبه سامى متولى من أمام القطار إلى طريق العقل..«كنت أجرى.. وأجرى.. وأجرى فى صحافة كشف المواقف وفى ضميرى فضح كواليس الفساد والشللية وآخر قواميس قصف الأقلام لمنع التحريض على ازدراء الوطن»!. ويعترف معوض: وفى المرة الوحيدة التى تركنى متولى على هواى وقعت من الدور ال 12 حين كتبت: اللهم لا ازدراء، وحين أجبر إبراهيم نافع على إبعادى ترجانى أن أقنع صديق عمرى شريف العبد برئاسة القسم، لأننى سأخدم فى موقع آخر بناء على طلبى. و فى الدار الآخرة هدأ بالأمس بركان صحفى غاضب اسمه محمود معوض، اللهم أدخله الجنة بغير حساب. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف