يحلو للبعض التشدق دائما بالتزامهم بالشرف والأمانة ومجمل مفردات منظومة القيم الأخلاقية بينما يتعمدون هجرها بتصرفاتهم فى معظم الأوقات! ليس هذا اتهاما لهم دون أى سند ولكنه ما كشفت عنه وزارة التموين عند مراجعتها للبطاقات التموينية!. وإذا كان الحرمان والفقر الذى شحذ سكينه ليذبح عدداً من محدودى الدخل قد يدفع البعض, فى لحظة ضعف, إلى السرقة ليُشبع جوعه أو يُسكت بكاء أطفال جوعى يمزق القلوب ولا يجد الأب أو الأم ما يسد جوع أطفالهما القاتل، فلا مال ولا عائل ولا عمل, فلابد إذن أن يكون الانحراف السبيل الوحيد إذا لم يستطع أى منهما أن يسلك طريقاً آخر.. وعلى الرغم من أنه أمر تجرمه نصوص القانون، وترفضه منظومة الأخلاق والقيم وتنهى عنه جميع الأديان السماوية فإنه يطرح سؤالا يتعلق بسرقات الأغنياء ومزاحمتهم للفقراء على ما توفره لهم الدولة من سلع غذائية وخبز!. نعم لنا أن نتخيل أن واحدا ممن يملكون الثروات يهبط من سيارته, هامرأو بى إم دبليو, ليزاحم الفقراء على مائدة الرحمن, التى يقيمها أصحاب القلوب الرحيمة, خلال شهر رمضان المبارك للفقراء.. الأمر ليس خيالاً بل للأسف واقع مشين بعد أن كشفت الوزارة عن أن هناك نحو 1700 مواطن يمتلكون سيارة بى أم دبليو و1400 آخرين يمتلكون سيارات جيب ومواطناً آخر لديه سيارة هامر يحتفظون ببطاقة التموين وهو ما يعد سرقة وتزويرا. هذه الأعداد ليست مجرد كلام مرسل بل إن الدكتور عمرو مدكور، مستشار وزير التموين للتكنولوجيا ونظم المعلومات قد كشف عنها خلال استضافته قبل نحو اسبوع فى برنامج على إحدى القنوات الفضائية. الأمر لم يقف عند هذه الفضيحة المؤسفة بل تجاوزها إلى الحد الذى اكتشفت فيه وزارة التموين الكثير من التجاوزات المتعلقة بمنظومة البطاقات التموينية: اكتشفنا مواطنًا مشتركًا فى 144 بطاقة تموين! إضافة إلى أن بعض المواطنين يستخدمون بطاقة التموين فى صرف معلبات التونة لإطعام القطط، حسبما علم من أحد منافذ بيع السلع التموينية!. وأعاد المستشار تأكيداته بأنه سيتم حصر أصحاب الوظائف العليا من وكلاء الوزارات وصولًا لمنصب رئيس الوزراء لحذف بطاقات التموين الخاصة بهم, فكل مسئول فى منصب وكيل وزارة فأعلى سيتم حذفه من بطاقة التموين على الرغم من أن عدداً من هؤلاء المسئولين لا يمتلكون بطاقات تموين أصلا، إذ إننا حذفنا كل من هم يشغلون منصب وكيل وزارة فى الهيكل الإدارى للدولة و لا توجد أى استثناءات, هكذا قال. الواضح من تأكيدات المستشار أن عددا من هؤلاء المسئولين لم يمتثلوا لمناشدة الوزارة قبل فترة بضرورة إلغاء بطاقاتهم التموينية واستمروا فى صرف دعم الغلابة وارتضوا على انفسهم سرقته وهو ما يستوجب محاكمتهم أو على الأقل رد قيمة هذه السلع التى سرقوها إلى ميزانية الدولة باعتبارها أموالاً عامة جرى اختلاسها. خاصة أن الوزارة تفرض غرامة مالية على من يصرفون نصيب المواطن المتوفى من الدعم منذ تاريخ الوفاة، حيث تُحسب الغرامة بالأرقام الحقيقية لرغيف الخبز، وذلك إذا لم تُخطر الأسرة الوزارة بالوفاة خلال 3 أشهر!. وإذا كانت وزارة التموين مقتنعة بأن القواعد التى حددتها كفيلة بقصر الدعم على المستحقين فقط فإنه يستوجب عليها مراجعتها بشكل أدق بعد أن جرى إيقاف نحو 400 ألف بطاقة فقط حتى الآن من غير المستحقين، بما لا يتخطى 2% من إجمالى البطاقات التى يتجاوز عددها 21.1 مليون بطاقة. الغريب أن الوزارة ترفض الغاء صرف الخبز للفئات الموقوفة بطاقاتهم، انتظارا لصدور قرارات جديدة ولا أدرى أى منطق يسمح للبعض باستمرار نهبهم للأموال العامة دون أى حق؟!. نقطة أخرى تتعلق بمن يجرى اكتشاف أنه مسافر أو مهاجر ولم تخطر أسرته الدولة بشأن سفره فإن الوزارة تكتفى بإيقاف صرف السلع التموينية له نهائيًا، لكنها تستمر فى صرفها لبقية أفراد أسرته وهو ما ينطبق أيضا على أسرة المسجون، إذ يتم رفع الدعم عنه وحده بشكل مؤقت؛ لأن الدولة تتكفل به فى السجن حتى لا يحدث أى نوع من أنواع الازدواج, وهو أمر يخالف المنطق باعتبار أن قصر هذا الإجراء على هاتين الحالتين دون تمديده لبقية الأسرة هو فى حقيقته تشجيعا على نهب المال العام وحرمان من يستحق بالفعل.. وهو أمر يماثل استمرار صرف الخبز للأسرة التى يُجرى إيقاف بطاقتها، إذ يبدو أن الوزارة تعتقد أن ذلك يعد تعويضاً لها عن حرمانها من بقية السلع كما لو كان الخبز فقط هو السلعة المدعومة دون بقية سلع البطاقة!. مرة أخرى إذا كنا نستهدف بالفعل توصيل الدعم لمن يستحقه فقط , فيجب أن تكون الإجراءات أكثر حزماً.. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولمواطنيك السلامة دائماً!. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش