أوقات كثيرة يتهافت القلب لمساعدة شخص ما وعندما نمر بتلك التجربة نُدرك أننا نحن من كنا بحاجة إلي مساعدة لفهم أشياء كثيرة لم نكن نعرفها إلا من خلال واقع وعين الاخر. برامج ترفيهية وحفل زفاف للأيتام ومُسابقات تبعث البهجة عبر الجمعيات الأهلية المعنية وغيرها، يظل هذا اليوم حافلا بالكثير لمنح اليتيم ولو القليل مما يفتقده، أما نحن ليذكرنا بأن لهذه الأزهار اليانعة حقا طوال العام. ترجع رعاية وكفالة الطفل اليتيم علي مدي التاريخ منذ العصور الفرعونية القديمة؛ فنجد علي اللوحات الجنائزية الفرعونية نقوشا توضح كيف كان المصري القديم يحنو ويساعد اليتيم والأرملة ويحميهم بشتي الطرق، وهذا ما أكده إبراهيم عناني عضو اتحاد المؤرخين العرب الذي أوضح «أن أحد الحكام ويدعي «أمنمحات» كان يفتخر في العبارات المنقوشة بأنه لم يقهر أرملة، بل كان يعطيها مثلما كان يعطي للمرأة المتزوجة وكان يحنو علي اليتيم»، ودائماً كان المصري القديم يؤكد بنقوشه علي المعابد ان حماية اليتيم هي حماية السماء، وكانت الأسر تكفُله وتخصص له مرضعة وتوصي بأن يحصل اليتيم الذي تكفُله علي نصيب من الميراث، وإذا كان اليتيم ابناً لخادمة فكان يتم أحياناً تزويجها لشخص حر وبذلك تحصل الأرملة هي وابنها اليتيم علي الحرية وعتقهما من العبودية، كما كان القدماء أيضاً يحرصون علي تعليم الأيتام في المدارس الملحقة بالمعابد وتكريم المتفوقين لتكون دفعة للاستمرار الناجح. كما أكد عالم المصريات فرنسيس أمين: «ان الإله حورس، الذي تم تشييد معبد إدفو لعبادته، كان اليتيم الأكثر شهرة لدي المصريين القدماء، إذ قتل والده أوزيريس علي يد عمه «ست» إله الشر، والذي حاول الاستيلاء علي ملك حورس بعد قتله لوالده، وأشار أمين إلي أن آثار العصور المتأخرة في مصر القديمة، والعصرين اليوناني والروماني من أكثر الفترات ثراء بمشاهد ونصوص تدور حول الأطفال الأيتام. وأكدت وسام داود الباحثة في علم المصريات، ان الاهتمام بالأيتام ورعايتهم، كان في مقدمة الصور الانسانية العظيمة التي عرفتها مصر القديمة، وأن الفراعنة اهتموا بالأطفال الأيتام وقدموا الرعاية الاجتماعية لهم وعملوا علي اسعادهم والتخفيف عنهم قبل آلاف السنين، وكان الخال أو العم هو من يتولي مسئولية رعاية الأطفال الأيتام ويوفر لهم ما يوفره لأبنائه. وفي التاريخ الإسلامي يُضيف «عناني» أن من التوجيهات النبوية قولاً لرَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ» ثُمَّ قَالَ «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ، وَهُوَ يُشِيرُ بِإصْبُعَيْهِ», وقد ساوي الرسول الكريم في موضع آخر بين كفالة اليتامي والأمور العظام في الإسلام مثل القيام والصيام والجهاد في سبيل الله، حيث يقول «من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله، وصام نهاره، وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله». وتتجلي العناية بكفالة اليتيم أيضاً قبل الرسالة المحمدية فقد سأل موسي ربه «ما جزاء من كفل يتيما؟» فأوحي إليه الله عز وجل «أظله في ظل عرشي يوم القيامة» وكانت عناية الإسلام بنفسية اليتيم، والتلطف في معاملته كبيرة فقد قال تعالي «فأما اليتيم فلا تقهر». وتتضح هذه العناية في أبهي صورها في هذا التنافس الشريف الذي أنزل الله فيه قرآناً يتلي إلي يوم القيامة في التنافس علي كفالة مريم ابنة عمران، هذا التنافس الذي يدل علي عظم وفضل ما يتنافسون عليه حيث يقول تعالي «وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون».