لم يكن القرار الذي اتخذه قادة دول مجلس التعاون الخليجي في قمتهم الأخيرة بالكويت يومي14 و15 من شهر ديسمبر الماضي بتشكيل قوة تدخل سريع تابعة للمجلس نابعا من فراغ لكنه جاء مجسدا للشعور بضرورة الاستعداد للتعامل مع أي مهددات لأمن واستقرار المنطقة خاصة بعد ان شهدت في العام2009 تصاعدا في وتيرتها وتأثيراتها سواء المباشرة أو غير المباشرة . وجاءت المحاولات المتكررة من قبل عناصر التمرد الحوثي في اليمن للتسلل إلي أراضي المملكة العربية السعودية والتي بدأت في الخامس والعشرين من شهر نوفمبر الماضي لتضع منظومة مجلس التعاون علي المحك علي صعيد المواجهة الجماعية لخطر مباشر مس أكبر دولة فيها علي نحو دفع الأعضاء الآخرين في المنظومة إلي سرعة الإعلان في الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية دول المجلس بالدوحة في مطلع شهر ديسمبر الماضي عن تضامنهم القوي واستعدادهم الكامل لتقديم كل عناصر الدعم والاسناد للمملكة في مواجهتها مع العناصر المتسللة ومن ثم فإنه يمكن النظر إلي قرار تشكيل قوة التدخل الخليجي السريع في هذا الإطار علي الرغم من تأكيد عبدالرحمن بن حمد العطية الأمين العام لمجلس التعاون علي قدرة المملكة علي الدفاع عن نفسها. وظل العراق يلقي بظلاله السلبية علي المنطقة خلال هذا العام مع استمرار العمليات النوعية التي قامت بها جماعات مناهضة للاحتلال وللحكم الراهن, ومن ثم فإن العراق شكل ومازال واحدا من عناصر التهديد لاستقرار وأمن الخليج, ومن هنا تأتي دعوات النخب السياسية في المنطقة إلي ضرورة تفعيل العملية السياسية فيه في ضوء مرتكزات محددة أهمها المحافظة علي وحدة بلاد الرافدين شعبا وترابا ورفض الأسس العنصر ية والمذهبية, وشكل الملف الإيراني بتداعياته المتسارعة بدوره مصدرا من مصادر تهديد الأمن الخليجي وأول هذه التداعيات حالة عدم الاستقرار الداخلي التي تعيشها إيران منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في شهر يونيو الماضي والتي اعادت الرئيس محمود أحمدي نجاد إلي الحكم مرة أخري واستبعدت رموز التيار الاصلاحي الذين لم يقبلوا بها ومازالت متواصلة خاصة بعد وفاة آية الله منتظري الذي انحاز إلي المعارضة وما صحب جنازته من مواجهات من السلطات الأمنية والمحتجين وتنطوي هذه الحالة ان استمرت علي انعكاسات سلبية علي أمن واستقرار دول مجلس التعاون بفعل العوامل الجيوسياسية والتقاطعات التاريخية والمذهبية والتداخل السكاني بين الجانبين. لكن الخطر الأكبر يتمثل في وقوع مواجهة عسكرية بين إيران من ناحية والولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية أخري علي خلفية برنامج طهران النووي وهو الأمر الذي ترفضه دول المجلس بقوة خاصة ان اراضيها ستكون هي مسرح هذه المواجهة ان وقعت وقد عبر قادة دول المجلس في قمتهم الأخيرة بالكويت عن موقفهم المؤيد للحلول السياسية والدبلوماسية وتجنب الخيار العسكري لحل هذه الأزمة. ولم تتوقف مصادر التهديد عند الازمات السياسية والأمنية ولكنها امتدت إلي البعد الاقتصادي لاسيما مع اندلاع أزمة ديون إمارة دبي والناجمة عن إعلان شركة دبي العالمية خلال شهر نوفمبر الماضي عن خطة لإعادة هيكلتها وتأجيل سداد ديونها لمدة ستة أشهر والتي تبلغ نحو60 مليار دولار وهو الأمر الذي القي بظلاله السريعة علي الاسواق المالية لدول منطقة الخليج وغيرها من الدول العربية فضلا عن البورصات العالمية الشهيرة, وقد عبرت دول مجلس التعاون عن مساندتها لحكومة الإمارة التي أعلنت استعدادها بالشراكة مع إمارة أبوظبي علي احتواء تداعيات الأزمة بعد ان قدمت الأخيرة10 مليارات دولار للشركة المتعثرة فضلا عن إعلان الكويت استعدادها لتقديم عشرة مليارات أخري الأمر الذي خفف من حدتها وإعادة الاستقرار للاسواق المالية الإقليمية والدولية وتبرهن هذه الأزمات بتجلياتها المختلفة سياسيا وأمنيا واقتصاديا علي أن منطقة الخليج مازالت تتسم بحيوتها الاستراتيجية التي تحتم علي اطراف من داخل الإقليم وخارجه العمل ضمن منظومة مشتركة لحماية أمنها واستقرارها الذي لاتتوقف تداعياته عند حدود الإقليم وإنما تمتد إلي العالم بأسره.