مدين باعتذار للسيد أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية عن انقطاع الشبكة، حين اتصل بى الثلاثاء الماضى قبل سفره إلى تونس، معلقا على مقالى عن بلطجة ترامب ومنحه الجولان لإسرائيل، رغم أنف أصحاب الحقوق العرب، الذين لم يقدموا من المواقف التى تستحق الدعم من الإعلام الغربي، وعلق السيد أحمد أبو الغيط أنه من سخريات القدر أن تختار الإدارة الأمريكية الجديدة نفس اليوم الذى وقعت فيه اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، واستعادت بها مصر كامل حقوقها فى سيناء أن تختاره أمريكا بعد أربعين سنة لمنح حكومة إسرائيل حق السيادة الباطلة على الجولان، والسبب كما أضاف معالى الأمين العام ليس فى ترامب وحده بل إن العرب لم يقرأوا الظرف التاريخى ويتصرفوا بواقعية وينتهزوا الفرصة التى أتاحتها لهم مبادرة السادات للسلام، وسوريا بالذات أتيحت لها الفرصة لاستعادة الجولان بالشروط المصرية منها مرة عام 2000 كانوا على وشك التوقيع باستثناء حوالى خمسين مترا تفصل سوريا عن بحيرة طبرية، وأصر الرئيس حافظ الأسد على الوصول إلى مياه البحيرة لأنه كان يستحم فيها فى شبابه رغم وعده بأنه لن يستخدمها، وفشل الاتفاق لأن الرئيس الأسد لم يقبل بأقل مما قبلت به مصر ولا يؤمن بمبدأ خذ وطالب! وانقطعت المكالمة دون أن استوضح من معالى الأمين العام أن الخطورة الآن ليست فى الموقف العربى المهلهل، وأن الجولان لا يضيرها سلخها بعد احتلالها لمدة 52 سنة، ولكن خطورة ما فعله ترامب أن إباحة تغيير الحدود الشرعية من طرف واحد ومنح الأرض لمن يسيطر عليها، سيعطى لكل الأطراف المريبة التى تتحرك جيوشها فى المنطقة الحق فى تحويل وجودهم إلى وجود شرعي! أول اللصوص المريبين نيتانياهو الذى سيسارع بضم الضفة الغربية استجابة لمطالب اليمين المتطرف والقضاء نهائيا على حل الدولتين! وثانى المستفيدين إيران التى أعلنت إدانتها للقرار الأمريكى ذرا للرماد فى العيون، ولكن مبدأ ترامب سيمنحها الشرعية بسبب الحشد الشعبى فى العراق وسلاحها فى سوريا وفى لبنان وعلى جزر الإماراتالمحتلة، ووفقا لنفس المبدأ سيصبح وجودها وغيرها شرعيا فى اليمن وبداية لتقسيمه!. وثالث المريبيين «أردوغان» الذى أعلن فى تصريحات انتخابية رفضه القرار الأمريكى، وهو فى الحقيقة يسعى لإنشاء دولة عازلة على حدوده مع سوريا قوامها قوات سوريا الديمقراطية التى تفرض سيطرتها على الباغوز وشرق سوريا خلفا لبقايا داعش وجيش النصرة وغيرهم من المدعومين من الولاياتالمتحدة وتحالفها الدولي! والمريب الرابع هو أكراد سوريا الجاهزون للانضمام لحلم الدولة الكردية الكبرى التى سعت إليها أمريكا قبل تفتيت العراق، ولا يمنع الإعلان النهائى عنها إلا دولة عازلة تحقق الأمن لتركيا بشروط أردوغان! أما وجود الدب الروسى فيكتسب وجاهته من دعمه الحكومة الشرعية فى سوريا ولا مانع من إطلاق مبادرة حسب لقاء بوتين نيتانياهو تهدف إلى تسوية نهائية والانسحاب من سوريا عقب استكمال القضاء على الإرهاب طالما سيمكنه مبدأ ترامب من تثبيت شرعيته نهائيا فى شبه جزيرة القرم! وأعجبنى صراحة الأمين العام السيد أحمد أبو الغيط فى القمة العربى بتونس وأنه يسمى المريبين بأسمائهم وقوله: مازالت سوريا واليمن وليبيا تعيش فى ظلال الخوف، وتحت تهديد الميليشيات والجماعات الطائفية والعصابات الإرهابية.. لقد تعرض الأمن القومى العربى خلال السنوات الماضية إلى أخطر التحديات.. وفى مقدمتها اجتراء بعض قوى الإقليم على الدول العربية منذ نكبة الاحتلال الإسرائيلى المستمرة خلال سبعة عقود ويزيد.. ومخططات جماعات القتل والإرهاب للنيل من استقرارنا. إن التدخلات من جيراننا - وبالأخص إيران وتركيا- فاقمت من تعقد الأزمات وأدت إلى استطالتها، بل واستعصائها على الحل.. وعندما ذكر الأمين العام إيران وتركيا والدول الداعمة لجماعات الارهاب والميليشيات المسلحة فى سوريا وليبيا غادر أمير قطر قاعة الاجتماعات، متوجها إلى المطار.. وكأن المريب الخامس يقول خذوني! أما المريب السادس الذى يؤجج الفتن الدينية فهو تصريح مايك بومبيو الى شبكة تليفزيون مسيحية بالقدس عقب زيارته حائط المبكى بإن الله أرسل ترامب إلى الأرض لحماية إسرائيل وإنقاذ الشعب اليهودى من الخطر الإيراني... تذكرت قول جورج بوش الابن: إن الله قد أمرنى بغزو العراق فغزوته كتعليمات الرب، وهكذا دمر «العم سام» وحلفاؤه بغداد ودمشق تنفيذا لتعليمات «ربه»، دون اعتبار لشرعية العراق من قبل ولا لشرعية سوريا اليوم، فبدت لى أمة الأمين العام بعد مؤتمر قمة تونس الذى حقق الحد الأدنى من المقاومة والرفض والواقعية فى موقف الحطاب الطيب على بابا فى مواجهة أطماع ال «الأربعين حرامى» الذين تكالبوا عليه طمعا فى خزائن الذهب والياقوت وآبار البترول وحقول الغاز! لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف