هل تستقيم الحياة من غير الأمهات؟! وهل بمقدور الرجل أن يعيش بلا أم ترعاه، وتكلؤه، وتدعو له فى الصباح والمساء، فى سرورها، وابتهاجها؟! وكيف يقدر الرجل على مجابهة صعاب الحياة اليومية؛ بلا قلب أمه التى تدعو له؛ فتستجيب لدعواتها السماء؟! فالأم هى الحياة! والحياة هى قلب أُم، لا يعرف إلا لغة التسامح، ولحن الوفاء، ونشيد البراءة، وسيمفونية العطاء، وموسيقى الصفح الجميل! ولعظيم دور الأم؛ التى هى جنة الدنيا، وواحة الحب، ورمز السلام.. تجلت قرائح الشعراء؛ فتسابقت فى كشف ينبوع المرحمة، وأنهار الخلق الجميل، وبحار المودة؛ المتمثلة فى قلب الأم الرءوم! انظروا إلى الشاعر السورى منير الكلاليب، وهو يفتخر بالأمهات؛ اللاتى لولاهن لهلك الرجل! فيقول فى قصيدته «تكريم الأم»: «كثيرات صنوف الأمهاتِ/ وأولاهن بر الأمهاتِ/ وما ولد المسيح وما رعاه/ سوى امرأة من المتبتلات/ وما آسى رسول الله إلا/ خديجة يوم لم يك من أساة/ ولولا الشمس وهى من الإناث/ لظل هلالكم من المظلمات»! وها هى ذى الشاعرة السورية مقبولة الشلق فى قصيدة «أمى فداك الروح» تصور فرحة الأكوان بالأمهات؛ فقد هفا إليهن الربيع، وآذار، والنسيم، والأقحوان، والشذا، والنحل، والعندليب عرفاناً بهن، ولأنهن مبعث الخير للرجل؛ فقالت: «أمى، وكل الكون هب مقدماً/ أحلى الهدايا تبعث التذكارا/ ماذا أقدم للحنان هدية/ هذا فؤادى صغته أشعارا/ أمى فداك الروح يا أحلى المنى/ يا دوحة منحت شذا وثمارا/ يا باقة من ياسمين عاطر/ ذرت أريجاً ينعش الأزهارا/ تعطين، لا ثمناً يثير مطامعاً/ كل الأنام يقدم الأسعارا». فالأم مخلوق مقدس سماوى، من فراديس الجنان بدايته، ونهايته؛ فهى من طينة غير طينة الرجل! ولذلك يقول الشاعر السورى عبد القادر غزال: «الأم لفظ جميل صاغه البارى/ من لحن تغريد أطيار بأيّار/ والأم لفظ تعالى الله صائغه/ من نفحة الناى، أو من لحن قيثار/ مهما أشدت بوصف الأم لا قلمى/ يوفيه حقاً، ولا تحويه أفكارى»! لكن الأمهات لا يعرفن لغة الجفاء، والقطيعة، والتجافى، والشقاق! إنهن بلسم الروح، وصنو الخير، وعذوبة العطاء، وعمود البيت. ولهذا قال الشاعر اللبنانى يوسف يونس عن الأم: «ونظمت فى فجر الحياة قصيدة عنوانها: «ماما» عليك مصيرى/ وتلوتها بين اللفائف هامساً/ يا صدر أمي: هل تكون نصيرى؟ / فتنهدت أمى، وأدنت ثديها/ منى، وقالت: من رأى تقصيرى؟/ شأن الحياة وغايتى أن ترتوى/ وأنا الأمومة، مهجتى بعصيرى» ! بل ذهب الشاعر اللبنانى فؤاد جرداق إلى الصداح بالأم التى هى رمز إلهى؛ فى نشر الفضائل، والأخلاق، والسماحة؛ فقال: «لقد سألت النهى عن سر تكوينى/ وبالشكوك سهام الروح تكوينى/ أجابنى العقل: لا تنس الأمومة إن/ ذهبت تبحث عن سر وتبيين/ فقلت: لا شىء فى ذا الكون يصرفنى/ عن الظنون سوى أم تواسينى/ لو لم تكن فى الورى مخلوقة لغدت/ إلهة، إنها بعض البراهين»! فلننظر .. معاشر الرجال، والأبناء: لماذا تخلينا عن أمهاتنا؛ وتناسينا فضلهن علينا؟! ولماذا بخلنا ولو بكلمة وفاء وحب لهن فى كل يوم؟! فهل أصبح الوفاء مجرد يوم فقط نحتفى فيه بالأم؛ ونظل فى هجرها عازمين، وفى نسيانها متجاهلين؟! ثم نسأل بعد ذلك جزعين قائلين: لماذا سيطر علينا الحزن، وخيَّمتْ الكآبة، وضربت علينا التعاسة بنسجها، وقتلنا الخراب، والاكتئاب؟! فأفِقْ .. أيها الابنُ الموجوع؛ فاذهب إلى أُمِّك الآن، وقبِّل يدها، واطلب حنانها، وصفحها، ودعواتها، وبِرَّها الحنون، وانحنِ على قلبها السندسى، وابكِ صاغراً كالطفل؛ ف «الجنة تحت أقدام الأمهات». صلاح حسن رشيد باحث وأديب