السياسة النقدية الرشيدة للمركزى تعكس القدرة على التنبؤ بالتطورات الاقتصادية واتخاذ الإجراءات المناسبة قرر البنك المركزى المصرى تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة عند مستويات 15.75% للإيداع و16.75% للإقراض وتثبيت اسعار الفائدة على العملية الرئيسية عند 16.25% ،خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية مساء الخميس الماضى ، مخالفا لتوقعات الغالبية العظمى من بنوك الاستثمار والاقتصاديين، حيث رجحت توقعاتهم اقبال المركزى على خفض جديد مابين 50 نقطة اساس الى مائة نقطة اساس اى ما بين نصف فى المائة الى 1%. يضاف الى الخفض الذى اتخذه فى فبراير الماضى لتصبح الفائدة على الايداع والاقراض 14.75% و15.75% على التوالي واستندوا فى توقعاتهم تلك الى اعتبارات عدة فى مقدمتها تراجع مسببات الموجة التضخمية وان ارتفاع التضخم فى شهرى يناير وفبراير الماضيين يرجع الى اسباب استثنائية وقتية، كما استندوا الى اهمية خفض الفائدة من اجل تنشيط الاستثمار وان هذا الهدف يستحق التخلى عن السياسة النقدية المتشددة وانتهاج سياسة تيسير نقدى ستعمل بدورها على امتصاص الموجة التضخمية فيما بعد لاسيما وان التضخم لا يرجع الى زيادة الطلب المحلى بل الى ارتفاع تكلفة مدخلات الانتاج .ترجيح التوقعات بخفض الفائدة استندت ايضا الى ان فرص التيسير النقدى مواتية فى النصف الاول من العام الراهن ، لاسيما واننا فى انتظار موجة تضخم عقب استكمال التحرير التدريجى لاسعار الوقود وخفض الدعم على الكهرباء فى اول يوليو المقبل .فى المقابل ارجع البنك المركزى اسباب قراره بتثبيت اسعار الفائدة الى أن أسعار العائد الحالية مناسبة لتحقيق التضخم المستهدف 9% بزيادة أو نقصان 3% فى الربع الرابع من 2020، واستقرار التضخم على المدى المتوسط.ونوهت الى ارتفاع المعدل السنوى للتضخم العام والأساسى ارتفع إلى 14.4% و9.2% فى فبراير 2019 مقابل 12.7% و8.6% فى يناير، كما استعرضت التطور فى مؤشرات الاداء الاقتصادي، حيث ارتفاع معدل نمو الناتج المحلى بشكل طفيف إلى 5.5% فى الربع االثانى من العام المالى الحالى مقابل 5.3% فى الربع الاول وهو نفس معدل النمو فى العام المالى السابق، الى جانب انخفاض معدل البطالة إلى 8.9% مقابل 10% ليسجل أدنى مستوى منذ الربع الرابع لعام 2010، كما اشار الى مستهدفات المالية بتحقيق فائض اولى 2% فى الموازنة العامة العام المالى الحالى والاعوام المقبلة .كما لفت قرار المركزى بتثبيت الفائدة الى الاوضاع الاقتصادية العالمية ،حيث تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادى العالمى وتقييد الأوضاع المالية العالمية، بجانب استمرار التأثير السلبى للتوترات التجارية على آفاق الاقتصاد العالمي، كما ارتفعت مؤخرًا أسعار البترول العالمية والتى ماتزال عرضة للتقلبات بسبب عوامل محتملة من جانب العرض. لاشك ان قرار تثبيت الفائدة انما هو لصالح تدعيم قوة الجنيه بالاساس الذى حقق صعود نسبى امام الدولار بنحو 5% - ما يزيد على 60 قرشا خلال الاسابيع الماضية منذ الاسبوع الاخير فى يناير الماضى وهو ما يعزز من قيمته كمخزن للقيمة الادخارية ، فى هذا السياق يجب الاشارة الى معاودة عملات بعض الاسواق الناشئة انخفاض بعد ان كانت قد بدأت تتعافى اول العام ، العملة الارجنتينية البيزو خسرت 9% منذ بداية العام على الرغم من دخول الاتفاق مع صندوق النقد الدولى حيز التنفيذ منذ سبتمبر الماضي، الليرة التركية خسرت نحو 3% من قيمتها «الجمعة» قبل الماضية ما دفع المركزى الى الاستجابة لضغوط الحكومة بالامتناع عن بيع الليرة للبنوك الخارجية من وقف الانخفاض بشكل ادارى لحين انتهاء انتخابات المحليات التى بدأت امس «السبت»، وهو ما توقع خبراء ببنوك عالمية ان يسفر عن تدهور فى قيمة العملة التركية بما لايفيد معه اجراءات بعد فوات الأوان. اسعار الفائدة فى الارجنتين عاودت الارتفاع مرة اخرى الى 60%، واحتفظ المركزى التركى بسعر الفائدة عند 24% منذ سبتمبر الماضي. عودة استثمارات الصناديق العالمية فى ادوات الدين الحكومى منذ بداية العام ، تزامن مع تحسن اوضاع الاسواق الناشئة، وتراجع الفيدرالى الامريكى عن توجهه باستمرار رفع الفائدة على الدولار خلال 2019، كان احد العوامل المهمة، كما ان تحسن مؤشرات الاداء للاقتصاد المصرى والتصنيف الائتمانى من جانب الوكالات العالمية والنظرة المستقبلية المتفائلة ،ساهمت بدورها فى سرعة عودة استثمارات الصناديق العالمية، غير تطورات الاوضاع الاقتصادية العالمية، وعدم تعافى الاسواق الناشئة بشكل كامل، يفرضان الحذر فى مزيد من خفض الفائدة. وفقا لاحدى الدراسات بمركز البحوث الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فان سعر الفائدة احد العناصر المهمة فى قرار الاستثمار ولكنه ليس العنصر الحاكم، كما ان وزنه النسبى يتراجع وليس الحاكم فى قرار الاستثمار ولكن المهم هو مناخ وبيئة الاستثمار ومجمل السياسات الاقتصادية والاستقرار التشريعى والضريبى الى جانب التطورات الاقتصادية العالمية ، كما ان مبادرة البنك المركزى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة اتاحت الفرصة للغالبية العظمى من الشركات والمشروعات الاستثمارية للاستفادة من التمويل المنخفض 7% للمشروعات الصناعية والزراعية وتوليد الطاقة الجديدة والمتجددة ،و12% لتمويل رأس المال العامل. كما ان السياسة النقدية المتشددة للبنك المركزى والتى اشاد بها صندوق النقد الدولي، وارجع اليها السبب فى ارتفاع الاحتياطى الاجنبى واستقرار سوق الصرف، كما استمر التحسن فى المؤشرات الأقتصادية وارتفاع معدل النمو، وهو ما يؤكد الثقة فى السياسة النقدية الرشيدة التى ينتهجها البنك المركزى التى تساهم بدور رئيسى فى هذا التطور الاقتصادى الايجابي، وقدرته على التنبؤ بالتطورات الاقتصادية المحلية والعالمية واتخاذ الاجراءات الناجحة فى التعامل معها، وربما صعود قيمة الجنيه خلال الاسابيع الماضية دليل مهم على ذلك.