عم طلبة ..هو شخصية حقيقية وليست كرتونية وإن كانت سماته أقرب إليها.. واحد من آحاد الناس الذين مروا في حياتي التي بدأت في الخمسينيات في حي الحلمية الجديدة الذي اكتسب شهرة واسعة بعد ذلك المسلسل الرمضاني الشهير الذي يحمل اسمه, فقد أمضيت سنوات طفولتي وكامل مراهقتي فيه.. حي يمثل مواطنوه مزيجا من الشعبية والطبقة المتوسطة بمختلف درجاتها الدنيا والمتوسطة والعليا, وقد اعتادوا التردد دائما علي صيدلية الطيب الواقعة فيه بحثا عن علاج لبعض أمراضهم التي يوكلون الصيدلي في تشخيصها بعد وصفهم له الأعراض التي يعانون منها, وكان عم طلبة هو المكلف من جانب صاحب الصيدلية وقتها بإعطاء الحقن لمرتاديها.. ثوان قصيرة يستغرقها عم طلبة في تجهيز الحقنة الزجاجية بعد انتشالها من الماء المغلي الذي اعتاد تركها فيه ظنا من جانبه أن هذا الإجراء كاف تماما لتعقيمها ضد الفيروسات لتجنب نقل العدوي من مريض لآخر, قبل أن يتطور الوعي الطبي وتظهر بعدها بسنوات السرنجات البلاستيكية ذات الاستخدام لمرة واحدة وبعدها ذاتية التدمير. لا أدري سبباً واحداً دفع عم طلبة لإقتحام ذاكرتي -علي الرغم من أن نحو من43 عاما من توتر مهنة الصحافة وانفعالاها كانت كفيلة بمحو أجزاء كبيرة من هذه الذاكرة إلا إنني أرجح أن تكون الصور التي تراشقت علي صفحات وسائط التواصل الاجتماعي أخيراً لوزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد وهي تناول بيدها أطفال إحدي المدارس في أفواههم أقراصا من المؤكد أنها تطعيمات ضد بعض الأمراض ..! وللأمانة فإن الوزيرة, كما حرصت علي أن تظهر ابتسامتها في الصور المنشورة وهي تؤدي ذلك المشهد غير المطلوب منها أساساً, فإنها أيضا حرصت علي أن ترتدي قفازا ظنا من جانبها أيضاً أن ذلك كفيل بتحقيق الوقاية وحظر انتقال العدوي من طفل لآخر! وهو أمر يدعو للاندهاش بل الصدمة, فكيف لم يتوارد إلي ذهن طبيبة مسئولة أن القفاز بتكرار انتقاله من فم طفل لآخر قد أصبح جسراً آمناً لنقل العدوي المرضية وانتشارها لا قدر الله سبحانه وتعالي؟!. وإذا كان عذر عم طلبة هو جهله كتابة وقراءة وعدم ادراكه, في خمسينيات القرن الماضي, أن تكرار انتقال إبرة السرنجة من جسد مريض إلي آخر هو الاسلوب الأمثل لنقل العدوي, فما هو عذر وزيرة الصحة, التي إلي جانب منصبها المسئول عن صحة 100 مليون مواطن وحملها بكالوريوس الطب ودرجتي الماجستير والدكتوراه في الإدارة, أن ملامسة أصابعها لفم طفل إلي آخر, علي الرغم من القفاز, هو البيئة الآمنة لافتراس العدوي لهؤلاء الأبرياء. قبل ما يقرب من نحو 3 سنوات, كتبت مقالا تحت عنوان: اذبحوا الدكتورة مني مينا أو اصلبوها, مدافعا عنها وقت أن كانت تشغل منصب الأمين العام لنقابة الأطباء, إذ حاول البعض شيطنتها عندما كشفت في مكالمة هاتفية لإحدي البرامج التليفزيونية عن تلقيها رسالة علي الموبايل من أحد شباب الأطباء، يستغيث من تعليمات شفهية من إدارة المستشفي، لاستخدام نصف المستلزمات الطبية، بمعني أن المريض الذي يستخدم جهازين لتعليق محاليل خلال 24 ساعة، يستخدم جهازاً واحداً،.. والمريض المحتاج سرنجتين، يستخدم سرنجة واحدة، لمرتين، والكلام هنا واضح أنه يعني أن الاستخدام مرتين لنفس المريض وليس من مريض لآخر،.. غير أنها استنكرت ذلك وقالت: ولكنه مرفوض بالطبع وذلك لمخالفته قواعد مكافحة العدوي وفق ما قالته بالحرف الواحد!.وقتها ثارت الدنيا في وجه الدكتورة مني, علي الرغم من تأكيد رفضها تطبيق ذلك الأمر, إلي درجة أنها قُدمت إلي المحاكمة بتهمة الإساءة لسمعة مصر الطبية.. ولم تنه الدكتورة مينا مداخلتها إلا بعد أن أثارت قضية في غاية الخطورة تتعلق بواقع كان يعانيه معظم المرضي وخاصة مرضي الفشل الكلوي وتهديد مراكز الغسل الكلوي بالامتناع عن تنظيم جلساته لهم بسبب عدم توافر المحاليل اللازمة، إضافة إلي غيرهم من المرضي الذين أصابهم الهلع بسبب اختفاء الأدوية التي يعالجون بها سواء من المستشفيات أو الصيدليات وبخاصة تلك التي تتعلق بأمراض القلب والسرطان وغيرهما من الحالات الحرجة التي يعلمها الجميع دون وزارة الصحة التي تصدعنا -كل 6 ساعات مثل الأنتي بيوتيك -سواء علي لسان وزيرها أو المتحدث الرسمي باسمها وقتها, بتوافر هذه الأدوية بكثرة وهي هنا تشبه المخبر الذي يعلم جميع مَن في الشارع حقيقته عدا هو نفسه الذي لم يكتشف بعد أنه مخبر!.. وفي النهاية أفرج عن الدكتورة مينا بكفالة 1000 جنيه. وإذا كانت وزيرة الصحة بذاتها قد تغافلت عما فعلته.. فإنه كان من حق عم طلبه أن يكون وزيرا للصحة.. ولك يا أحلي اسم في الوجود ولمواطنيك ولأطفالك السلامة دائما. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش