إن تحمل مسئولية مصير أمة فى مرحلة حرجة من تاريخها مهمة شاقة لا يحسد عليها قادة ورؤساء الدول، وكثيرا ما تستنزف أعصابهم وقد يمتد تأثيرها لتأخذ من صحتهم وتهدد سلامتهم. «إنقذوا تيريزا ماي».. صرخة أطلقها عدة مسئولين بريطانيين بعد أن باتت ضغوط وأعباء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «البريكست» تهدد صحة رئيسة الوزراء البريطانية التى دب بها الضعف جراء الانتقادات المتواصلة التى أخذت تنهال على «ماي» كضربات السوط، فضلا عن الجهد الجسدى المضنى الذى أثر على صحتها فى الشهور الأخيرة، والذى دفع كثيرا من المسئولين إلى التفكير فى الاستعداد للحظة محتملة قد تسقط خلالها ماى - التى تبلغ من العمر 62 عاما - من على منصة البرلمان من المرض والإعياء. كثيرون يشبهون ما تتعرض له ماى حاليا من ضغوط بما تعرضت له رئيسة الوزراء السابقة مارجريت ثاتشر من انتقادات شديدة وانقلاب الحزب الحاكم عليها، بل إنهم يلقبون ماى ب«المرأة الحديدية الثانية» لما يجمع بين الزعيمتين من صفات مشتركة، مثل قوة الشخصية والثبات على الموقف وتحدى الصعوبات. ولكن فى حالة ماى - المصابة بمرض السكر من النوع الأول - يبدو أن هذه الصعوبات قد أثرت على صحتها بشكل ملحوظ، حيث ذكرت صحيفة «صنداى تليجراف» أن مسئولين بمجلس العموم البريطانى وضعوا خططا طارئة أو «بروتوكولا» لإسعاف ماى إذا ما انهارت صحتها وسقطت داخل المجلس فى أى وقت. كانت ماى قد دخلت فى الفترة الأخيرة فى معركة تكسير عظام بحضورها سلسلة اجتماعات وجلسات استجواب بمجلس العموم فضلا عن قيامها بعدة سفريات داخل بريطانيا وإلى بروكسل ، كما قضت ساعات طويلة فى البرلمان تحاول إقناع النواب بخطتها للبريكست والحصول على دعمهم وكل ذلك وسط أجواء مشحونة ومتوترة. وأوضحت «صنداى تليجراف» أن تداعيات معركة البريكست المرهقة ظهرت على ماى يوم 12 مارس الحالى عندما فقدت رئيسة الوزراء صوتها ووجدت صعوبة شديدة فى الكلام بعد رفض 149 نائبا بمجلس العموم الاتفاق الذى توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبى بشأن الخروج. كما أرجعت هذه الحادثة إلى الذاكرة، الموقف الذى تعرضت له ماى عندما أصابتها نوبة سعال شديدة خلال إلقائها خطبة أمام مؤتمر حزب المحافظين عام 2017، فضلا عن إصابة صوتها بحشرجة شديدة فى أثناء تقديمها خطتها للبريكست أمام البرلمان للتصويت عليها، وعندما أحست بقلق النواب الذين سارعوا بإعطائها بعض أقراص الاستحلاب قالت لهم مازحة : «كان عليكم أن تسمعوا صوت جان كلود يونكر بعد محادثاتنا»، فى إشارة إلى المحادثات الشاقة التى أجرتها مع رئيس المفوضية الأوروبية يونكر فى ستراسبورج والتى أثرت على صوتهما من طول المفاوضات وصعوبتها. وكشفت ماى فى نوفمبر الماضى فى تصريحات مع راديو «إل بى سي» أنها تصاب بارتفاع ضغط الدم وارتفاع فى نسبة السكر عندما تتعرض للتوتر وأنها تواجه ذلك بحقن الإنسولين التى تتناولها يوميا. وتتصاعد المخاوف حول تدهور الحالة الصحية لماى فى الوقت الذى كشفت فيه تقاير إخبارية أن رئيسة الوزراء تواجه مؤامرة وزارية مكتملة الأركان للإطاحة بها واستبدالها بقائد «مؤقت» لاستكمال مسيرة البريكست. وقالت التقارير إن 11 وزيرا يستعدون للاستقالة الجماعية من الحكومة إذا رفضت ماى التخلى عن منصبها . وفى مقابل تلك الموجة العارمة من الرفض والانتقاد، لايزال البعض يؤمن بقدرة «المرأة الحديدية» على استكمال المسيرة وإنقاذ البلاد، من بينهم ديفيد ليندنجتون نائب رئيسة الوزراء والذى أكد أنه يرفض تماما الإطاحة بماى رغم أنه من بين أقوى المرشحين لخلافتها.وقال ليندنجتون « لا أعتقد أننى لدى أى رغبة فى أن أحل محل ماى التى أعتقد أنها تقوم بعمل رائع»، وتابع أن رؤيته الجهود الشاقة التى تقوم بها ماى جعلته يشفق من تحمل مثل هذا العبء وقال « لدى إعجاب كامل بتعامل رئيسة الوزراء مع كل ما يحدث».