غرس الشرع الشريف جذورًا إنسانية وشرعيَّة جعلت للأمومة خاصة وللمرأة عامة عند المسلمين معنًى رفيعا له دلالته السامية فى تراثهم الدينى وموروثهم الحضارى والثقافى؛ فالأم لبنة قوية فى الصلات العائلية المُكَوِّنة لأصل نظام الاجتماع البشرى عبر العصور. وإكرام الوالدين، وإظهار كلِّ ما يصدق عليه الإحسان من الأقوال والأفعال، أمر مطلوب شرعًا، وواجبٌ حتمًا على الأبناء أصالةً وابتداءً تجاه والديهم؛ وذلك امتثالًا لقوله تعالي: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ» [لقمان: 14]، بل يتأكد الطلب الشرعى فى حق الأم لمكانتها الكبيرة، حيث جعلها صلى الله عليه وسلم أولى الناس بالإحسان وحسن الصحبة؛ كما هو ثابت ومقرر فى الحديث النبوى الشريف والمشتهر على ألسنة الناس جميعًا وهذا اهتمام حكيم من الشارع يناسب ما تبذله الأم من مشقة فى القيام على شئون أولادها، مع التحلى بقيم راقية تتمثل فى الحنان والصبر لأنواع متعددة من الآلام عبر حياة ولدها بمراحلها المختلفة؛ من تعب الحمل، وأوجاع الوضع، ودفع ألم الجوع عنه برضاعه، ورعايته الدائمة حتى بلوغه وزواجه، فلا أمد لهذه العلاقة الطبيعية بينهما؛ لذا فقد باتت الأم لدى المسلمين عبر العصور رمزًا للتواصل العائلى، ولبنة أساسية من لبنات الاجتماع البشرى، فليس أحدٌ أحق وأولى بهذه النسبة من الأم التى يستمر بها معنى الحياة، وتتكوَّن بها الأسرة وتتجلى فيها معانى الرحمة. وفى نطاق الأسرة بمعناها الواسع؛ فإنه يدخل فى البر المأمور به شرعًا تبعًا للوالدين: والدا الزوج والزوجة بسبب الزوجية والمصاهرة، وباعتبار أن هذين الوالدين سواء كانا للزوج أو للزوجة يمثلان الإطار الاجتماعى لتلك الأسرة، وتظهر معانى الأمومة فى الحياة الزوجية فى الحماة؛ فأم الزوج هى أم للزوجة وكذا أم الزوجة هى أم للزوج نتيجة المصاهرة الحاصلة بين هذيْن الزوجين؛ فالمصاهرة خلطة تشبه القرابة؛ حيث جعل الله تعالى الصهر قسيمًا للرحم كما فى قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا» [الفرقان: 54]، وتفرع على ذلك عدُّ أم الزوجة من المحرمات على الرجل بمجرد العقد على ابنتها. إن إكرام والدى الزوج أو الزوجة وقرابتهما يُعَدُّ من موجبات مكارم الأخلاق التى جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث أكرم أصهاره حين تزوج السيدة جويرية بنت الحارث رضى الله عنها؛ فأعتق -إكرامًا لها- مائة أهل بيت من عائلتها بنى المصطلق من الأسر والسبى، كما أوصى صلى الله عليه وسلم بأهل مصر خيرًا وطلب معاملتهم بالحسني؛ وذلك لكونهم لهم «ذمة وصهرا». وتتأسس من خلال هذه الدلالات الشرعيَّة الإجراءات التى ينبغى على كل طرفٍ فى العلاقة الزوجية مراعاتها فى إطار تعاملاته تجاه والدى الطرف الآخر خاصة الأم؛ حيث وجوب احترامهما وتوقيرهما ومعاملتهما بالحسنى والثناء عليهما بالخير وترك التنقيص من قدرهما وزيارتهما وتفقد أحوالهما وقبول توجيهاتهما، بل واحترام خصوصية العلاقة بين هذا الطرف وبينهما. وعلى الجهة الأخري؛ فإن الحماة مطالبة شرعًا بمعالجة غيرتها، والتقليل من دواعى فضولها بعدم التوسع والتغلغل داخل الأسرة بما يصل إلى حد تحفيز أحد الطرفين ضد الآخر، وكذا ترك تصيد الأخطاء واستغلالها فى كسب ولاء ولدها لها ضد زوجه، بالإضافة إلى وجوب المعاملة بالحسنى وعدم الإساءة إلى الطرف الآخر بالقول أو بالفعل. وبذلك تتجلى سمات اهتمام الشرع بدور الأمومة المهم فى بناء الأسرة، وهذا يجعل الأزواج يحرصون فى مثل هذه المناسبات الهادفة ك «يوم الأم» على المبادرة إلى فعل الخير ودعم التواصل الاجتماعى حتى يُعبِّرَ كلٍ من الزوجين عن بِرِّه وتوقيره لوالدى زوجه خاصة الأم؛ وذلك نشرًا لقيمة البر بالأصهار، وإحياء هذه المعانى الطيبة وتنشيطها، وهذا يؤدى إلى المحافظة على استقرار الأسرة وتهيئة الأجواء الصالحة بين أفرادها. لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية