ترددت كثيرا فى الكتابة عن هذا الموضوع ظنا منى أن له طابعا ذاتيا، لكننى بمضى الوقت اقتنعت بأنه موضوع مهم ذو صلة وثيقة بصحة الإنسان المصرى مادام يتعلق بالتحاليل الطبية التى يتعين على كل مريض إجراؤها بتوجيه من طبيبه، وتتوقف على نتائجها ماهية العلاج الذى ينبغى اتباعه والالتزام به، وبالتالى فإن الخطأ أو عدم الدقة فى تلك التحاليل يرتب خطأً أو عدم دقة مماثلين فى العلاج، ولا يُلام الطبيب فى هذا بطبيعة الحال، وقد بدأت صلتى بهذا الموضوع فى مطلع القرن حين أُصبت بمرض التيفود وحار الأطباء فى تشخيصه، لأن نتائج التحاليل التى أُجريت استبعدت هذا الاحتمال تحديدا، وعندما اشتد على المرض سألت شقيقتى أستاذة الطب أستاذها الجليل المرحوم الدكتور فتحى عبد الوهاب أن يأتى إلى منزلى، ولم يكن يفعل ذلك لكنه خرج على مألوف سلوكه إكراما لها، وروت لى شقيقتى بعد مغادرته أنه شخص المرض وهو فى السيارة من خلال وصفها أعراضه وذكر لها مازحا أنه لولا عدم الملاءمة لعاد من حيث أتى دون أن يكشف على، وبعد وصوله بدقيقة كان قد أتم كشفه وتأكد من تشخيصه الذى ثبتت دقته المطلقة بعد ذلك وبدأ يكتب العلاج، وتطوعت أنا متفلسفا بالقول إن نتائج التحاليل تقول عكس ذلك، فأجابنى دون أن يتوقف عن الكتابة أو حتى ينظر إلى: التحاليل هى التى يجب أن تجئ نتائجها وفق تشخيصى ولست أنا الذى يتعين على الالتزام بها، وشُفيت بحمد الله وفق التسلسل الذى ذكره وكأنه يقرأ فى كتاب مفتوح. مع ذلك فقد كان لتلك التحاليل غير الدقيقة فضل اكتشاف مشكلة فى أنزيمات الكبد، وبالمتابعة اكتشفت إصابتى بفيروس «سى» وبدأت علاجى، حيث خيرنى الأستاذ الجليل الدكتور عبد الفتاح عبد السلام ما بين العلاج بالإنترفيرون أو العلاج التحفظى، فاخترت الأخير بعد مناقشات ممتدة حول مدى فاعلية الإنترفيرون وأضراره الجانبية، وتطلب العلاج إجراء تحاليل منتظمة سرعان ما اكتشفت بالصدفة المحضة أن ثمة خطأ ما فيها، ولأول مرة أعترف بأننى السبب فى اكتشاف الخطأ لأن التحاليل الأولى التى أجريتها فى أحد المعامل المشهورة لم تكن نتائجها مرضية لى، فقلت لنفسى لأتأكد من هذه النتائج لعل خطأً ما يكون قد حدث وتكون النتائج الجديدة طبيعية، وذهبت على هذا الأساس إلى معمل ثانٍ مشهور فإذا بتضارب صارخ فى النتائج جعل الدكتور عبد الفتاح الذى عهدته شديد الهدوء دائما يضرب بيده بعنف على سطح مكتبه ويرفع صوته قائلاً: ما هذا التهريج؟ وبناً على هذه الواقعة غيرت المعملين المشهورين معا وذهبت إلى ثالثٍ مشهورٍ أيضاً وظللت أتعامل معه حتى أتت إحدى النتائج يوما عالية بدرجة تنذر بالخطر، فطلب الطبيب مراجعة المعمل الذى اعترف المسئولون عنه، للأمانة، بأنهم ارتكبوا خطأ بسيطا فى تسجيل النتائج بحيث تحول الرقم 11 إلى 21، وغيرت المعمل المشهور للمرة الثالثة. ثم مرت الأيام وساءت حالتى واضطررت لإجراء عملية زراعة كبد كاملة بعد أن أقنعنى طبيبى البارع الدكتور أحمد الراعى, وهو راع فعلاً, بأن العملية هى السبيل الوحيد للشفاء، ونجحت العملية بحمد الله وكان من حسن حظى تزامن نجاحها مع اختراع السوڤالدى لعلاج ڤيروس «سى» ويسر لى العالم الخلوق الدكتور جمال عصمت الالتحاق ببرنامج للعلاج فى معهد الكبد بإشراف الدكتورة رفيعة المستوى علما وخلقا مى محرز، وإذا بنتائج التحليل تُظهِر بعد الشهر الأول للعلاج شفائى من الفيروس غير أن القواعد كانت تقضى باستكمال العلاج لستة أشهر انتهت على خير بحمد الله، وفى أول متابعة بعد الشفاء بثلاثة أشهر فيما أذكر أجريت تحاليل جديدة للتأكد من اختفاء الفيروس فإذا به يظهر من جديد ليصيبنى غم عظيم، ودخلنا فى جدل ومناقشات حول ما جرى وما يجب فعله إزاء هذه النكسة، وفى غمار هذا الجدل سألنى سائل: متى أجريت هذا التحليل الأخير؟ فإذا بى أكتشف أن رابط الإنترنت الذى أرسله لى المعمل المشهور قد استخرج لى نتائج سنة مضت! وبمراجعة المعمل تأكد الخطأ وتم الاعتذار عنه واستخراج النتائج الصحيحة التى تؤكد الشفاء. ثم جاءت الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل عندما أُصبت بالتهاب فى اللثة منذ نحو شهرين وذهبت إلى الأخت العزيزة الأستاذة الدكتورة نيفين راجى التى أبدت انزعاجها من حالة اللثة، ولحرصها الدائم على مفهوم العلاج الشامل طلبت منى إجراء تحليلين للسكر العشوائى والتراكمى ففعلت، وجاءت النتيجة غريبة فكان العشوائى متدنيا بشدة والتراكمى عاليا، واستشرت واحدا من أعز أصدقاء العمر وهو الدكتور صلاح الغزالى فأبدى دهشته وذكر لى أن نتيجة السكر العشوائى تعد خطرا على الحياة، وسألنى بعض الأسئلة قطع بعدها بأن ثمة شيئا غير طبيعى فى هذه النتائج، وطلب منى ضرورة إعادة التحليل ونصحنى بمعمل معين ثبت له من الخبرة أن نتائجه دقيقة ففعلت، فإذا بالنتائج فى الحالتين طبيعية، والسؤال الآن ماذا يكون مصير المريض لو شخص له الطبيب مرضه ووصف له دواءه اعتمادا على تحليل خاطئ أو غير دقيق؟ وهل يتيسر لكل مريض من يُسدى له النصح فيما يتعلق بدقة نتائج تحليل ما؟ وهل يملك كل مريض القدرة المالية لكى يجرى تحليلا ثم تحليلا ثانيا لضبط النتائج؟ وماذا لو حدث اختلاف ظاهر بين نتيجتين هل نُحَكم بينهما معملا ثالثا؟ قد يُقال كما قيل فى حادث جرار محطة مصر أن هذه نسبة بسيطة، ولكن المشكلة أن الخطأ ولو بنسبة بسيطة، قد يفضى إلى ما يُشبه القتل الخطأ فهل نقبل بهذا؟ أسئلة أطرحها على الرأى المصرى العام منه والمتخصص. لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد