إذا تركنا أنفسنا للمتطرفين الذين يعتمدون العنف لحد القتل، ومن النادر أن تخلو منهم دولة واحدة، وهم موجودون فى الكثير من الديانات والملل والأيديولوجيات السياسية والقومية، فسوف تنجرف الإنسانية كلها فى هوة مخيفة غير مسبوقة! ليس لأن هذه الجرائم لم توجد من قبل، ولكن لأنه لم تكن هنالك هذه الإمكانية قبلاً فى تأجيج ردود أفعال فورية هائلة عبر العالم، فى استقطاب حاد بين متعاطف ومستنكر، بسبب القدرات الجديدة الفائقة فى نقل التفاصيل البشعة لهذه الجرائم، بهذه السرعة، مع التأثير الرهيب للصورة على مليارات المشاهدين فى ذات اللحظة فى كل المجتمعات وكل الثقافات بكل اللغات! انظر إلى الجريمة الإرهابية البشعة الأخيرة فى نيوزيلندا، وتابِع الآثار المباشرة عبر العالم للقطات أشلاء القتلى، مقترنة، فى تناقض مرعب، مع صورة المجرم القاتل وهو يبدو عليه الهدوء والثقة والرضا عن النفس، وهو يشير بيده بالعلامة الكودية لجماعته ليشهر هويته الفكرية وليؤكد أنه فعلها عامداً، ثم اقرأ بعض ما نُشِر من رسالته التى تصلح لأحد أفلام الرعب، التى ذكر فيها أسبابه ودوافعه وتبريراته للقتل العمدى للمسلمين، والتى استمد بعضها من أسوأ فترات التعصب فى التاريخ، ودعمها بمخاوفه هو وأقرانه على الحضارة الغربية من مجىء المسلمين إلى بلادهم، وعن عزمهم على تحقيق أهدافهم بالقوة بأنفسهم، بل وبإدراجهم أسماء قيادات من بلادهم فى قوائم اغتيالات لأنهم، فى رأيه، خانوا أوطانهم ومالوا إلى المسلمين..إلخ! وكما ترى، فإن هذا لا يقل عن خطر متطرفين مسلمين آخرين يعتمدون تكفير أصحاب الديانات الأخرى، بل من يعتنقون مذهباً إسلامياً غير ما يؤمنون به، ويحلون دماءهم ويستحلون أموالهم ونساءهم، وذات الخطر فى ديانات أخرى فى الهند وغيرها..إلخ! للأسف، فإن الأيام تثبت أن الكارثة أكثر تعقيداً، وأن حلها بعيد، وأنه لا تخفيف لها إلا بتكاتف العقلاء من كل العالم، من كل المرجعيات، ولكن الأكثر مدعاة للأسف أن للسياسيين، من أصحاب القرارات النافذة، رؤاهم الضيقة التى لا تنظر إلا للمصالح الآنية، والأسوأ أن بعض الدول يحكمها من يؤمنون بهذا. لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب